ألف ليلة و ليلة محمود الزيودي - عجايز ألف ليلة وليلة..

1 - 2

في مدينة زفولن وسط سلوفاكيا مقهى شعبي من عصر القرن الثامن عشر . يتجدد أثاثه من نفس الطراز ... كراسي وطاولات خشب . موقد نار للقهوة والشاي وعلى الجدار لوحة كبيرة لعدد من الجنود الهنغاريين يقبضون على ثائر سلوفاكي في نفس المقهى كما في اللوحة ... وفي المشهد عجوز سلوفاكيّة تسكب حبات البازيلاّ الناشفة على الأرض ليتعثّر البطل ويفقد توازنه حتى يسهل على الهنغار ان يقبضوا عليه . لا يوجد رجل أو امرأة في سلوفاكيا الاّ ويحفظ قصة جان البطل ( يلفظونها يان ) مع قصيدة كتبت بالسلوفاكيّة تتحدث عن رفاقه الاثني عشر ... اثنا عشر سيفا تلمع في الشمس ... واثنتا عشرة فأسا مع السيوف ... ستنتصر سلوفاكيا ... ستنتصر ... العجوز في القصة رمز للخيانة والشر ... فقد اعتاد جان على مقابلة فتاته في المقهى . وكلما حاول الهنغار ان يقبضوا عليه ... قتل منهم وجرح ثم أختفى بين حواري زفولن التي تحميه من عيون الاعداء وسيوفهم ... اعطى الهنغار للعجوز قطعا من الذهب وطلبوا أليها أن ترش البازيلاء على الارض لحظة اشتباكهم مع البطل حتى قبضوا عليه وشنقوه ... ولم يكن مصير العجوز بأفضل من مصيره ... فقد قتلها رفاق جان قبل ان تنفق الذهب .
تذكرت هذه القصة وانا أقرأ كتاب الزميل ( في مهنة الاعلام وليس النيابة والوزارة ) طه الهباهبة الذي سبق واصدر كتاب تاريخ الشوبك ... وفيما بعد أكد لي ان عبد الرحمن عزام باشا اول رئيس للجامعة العربية شوبكي اصلا ... ولم استغرب فالشوبك والكرك كانتا من أعمال مماليك مصر مرة ... ومماليك دمشق مرة أخرى ... ولم لا يكون أحد اجداد الباشا قد خدم في معيّة أحد ملوك مصر واستقر فيها ؟؟؟
يبدأ طه الهباهبة كتابه عن العجوز في ألف ليلة وليلة بالعجوز شواهي ذات الدواهي الأنسية التي تنتمي لبني الانسان وقد أخذت من الحكاية حوالي ثلاث وخمسين صفحة في زمن عمر النعمان وأولاده في دمشق . فهو ذو بأس شديد يخرج لهيب من منخريه اذا غضب ... قهر الجبابرة والأكاسرة ما بين الصين والهند والحبشة واليمن والحجاز ... واشاع فيها العدل وجبى خراجها من كل مكان . اندسّت شواهي والدة أحد ملوك الروم في قصر عمر النعمان مع جواري روميات حسان باعتهن له بخراج الشام وصيام شهر كامل . وهن جواري عالمات مثقفات قياسا لنساء ذلك الزمن .. وشواهي تلعب لعب السم والترياق مع النعمان حتى تقتله بشراب أعدته له ثم تتبع أولاده بالحيلة والدّهاء حتى تقتلهم ... ثم تنكشف بنهاية الحكاية وتصلب على باب بغداد , وقد حاول طه الهباهبة اختصار الثلاث والخمسين صفحة محاولا ما استطاع تحليل نفسية الراوي الذي روى حكاية الف ليلة وليلة . واختيار شخوصها . وإدارة الصراع بطريقة درامية تشبه بعض المسلسلات البدويّة في تلفزيون هذا الزمن
وللحديث بقيّة ...


**************


2 - 2
في الأزمان الماضية شاعت قصيدة تغنّى على لحن الهجيني في البادية والمدن والقرى الاردنية . وهي لشاعر مجهول يقول فيها :
يالله ان تسلّط على النسوان = حتى العجايز تجازيهن
ما جرّبن لوعة الهويان = نسين عميرن مضى بيهن
والمقصود أن العجوز في الوجدان الشعبي كما هي في ألف ليلة وليلة تحاول وتنجح في التفريق بين العشاق . وقد نسيت ما مضى من عمرها وهي عاشقة .
في كتاب العجوز في الف ليلة وليلة للزميل طه الهباهبة نجد عجوزا من الجن اسمها شواهي ذات الدواهي الجنيّة وهي تأخذ سبع عشرة صفحة من الكتاب حيث عاشت زمن هارون الرشيد في بغداد . وتساعد العاشق حسن الولهان في العثور زوجته الجنية التي اختفت من بيته مع أولاده منها . والعجوز تحفظ أربعين بابا من السحر . أقل بابا منها يجعل المدينة بحرا عجاجا متلاطم الامواج . وهي قادرة على تحويل الناس الى سمك .. وتغيير الألوان من أسود الى أبيض وبالعكس . ولكنها لا تستطيع فعل ذلك خوفا من ملكة الجان واخواتها اللواتي التي يحكمن المدينة بكثرة من الأعوان والخدم . ولعمري أن هذه الحكاية تصلح لكل الأزمان في وطننا العربي حتى يومنا هذا .. فكثرة الأعوان والخدم في اي حكم شمولي أسقط الاف الضحايا في الشرق والغرب . اذا كان حسن وأولاده رمزا لمقاومة الظلم والاستعباد . والأعوان والخدم رمزا للقوة الامنية والعسكرية التي تدافع عن نفسها وعن سيدها ..
ثالثة العجائز يقدمها طه الهباهبة باسم باكون . وهي صدى لسلاح عمر النعمان الذي ينشره في الخفاء لاغتيال أي شخص لا يرتاح له في بلاده . او تصله وشاية عنه . وباكون هذه لها في المكر فنون وفنون . وهي تحفظ كثيرا من الحكايات والاشعار والنوادر والاخبار لدرجة انها تسحر سامعها بما تحدثه . ولعلها صدى لقصّاص المصر الذي وظّفه خلفاء بني أميّة وأورثوه لبني العباس بعدهم . فوظيفته رواية النوادر والحكايات للناس . حيث يدسّ في كل حكاية أفكارا يرغب الوالي أو الخليفة أن يوجّه بها الناس بصورة غير مباشرة . بعد أن ملّوا خطبه وخطب دعاته على المنابر وغيرها .. فها هو قصّاص المصر (المدينة في زمننا هذا ) يرشّ على حكايته قليلا من السكر مرة .. وبعض الملح مرة أخرى ليقنع العامة بالفكرة القادمة من رأس الوالي .. وقد تطوّر قصّاص المصر عبر العصور .. ابتداء من مطبعة نابليون بونابرت التي بشّر بها المصريين بالحرية والرخاء .. ثم سيف محمد علي باشا في بلاد الشام لإقامة دولة بدأت بجباية الضرائب وتجنيد العسكر قبل أن تشقّ الطرق أو تطعم الفقراء .. مرورا بدعاة ووعاظ الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني الذي أستغل المطبعة القادمة من الغرب مع ألسنة دعاته لأقناع رعاياه بأفكاره وخططه حتى يومنا هذا .. فبعض وسائل الاعلام المقروء والمرئي والمسموع يعجّ بفرسان على شاكلة باكون .. يسبّح بعضهم بحمد الجوع والفقر والظلم الذي يمارسه بعض ولاة هذا الزمن .. وقد تطورت أدوات ولاية الفرسان بأحدث وسائل الارسال والعرض الى أدمغة الشعوب المقهورة .. ولأن كل حكاية من حكايات العجوز في ألف ليلة وليلة تنتهي بزوال الظالم وظلمه . وانتصار المظلوم . فإن الصدى ايّاه يتكرر في الضمير الانساني من عصر مصباح الزيت الى عصر مصباح الكهرباء

التاريخ : 22-05-2011



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى