بزرگ علوى - الحقيبة.. ترجمة: عبدعلي كاظم الفتلاوي

في برلين, في صباح يوم الأحد و في شهر حزيران, كان الجو كدرا و خانقا. يتقلب الإنسان على فراشه من شدة الحر, يتصبب عرقا. لكنه لم يكن متهيئا ليقوم من فراشه. دخان المعامل يمتزج مع ضباب الغابات , كانت ذراته تدخل الغرفة عابرة الشباك , كأنها كانت تريد ان تزعج روح و جسد الإنسان أكثر فأكثر. كنت في ذلك الوقت مشغولا بالدراسة في برلين. أكثر من نصف ساعة كان صاحب البيت قد جلب الشاي و وضعه على المنضدة لكن لم تكن لي الرغبة في النهوض. كان قد ناداني من خلف الباب لمرة أو مرتين :"سيدي, لقد اتصل والدك من منزله يطلبك ", لكنني لم اجبه.

الساعة التاسعة, احدهم يطرق الباب سريعا و يدخل الغرفة . في البدء اعتقدت أن صاحب البيت لديه شأن معي, لم التفت للموضوع لكن فجأة سمعت صوت أبي, هرعت من مكاني و ألقيت التحية عليه, جلس ليرتاح على الكرسي الذي بزاوية الغرفة, استخرج علبة سجائره الذهبية , أشعل سيجارته , وقال:" لماذا غرفتك بهذا الشكل , لماذا لا تجمع كتبك؟ انظر: الصابونة, القلم, المشط, ربطة العنق, أعقاب السجائر, غطاء الرأس و ماذا بعد... صورة , يختلط كل شيء بالآخر"

رائحة العطر التي كانت تفوح من وجه أبي الحليق, تبعث الحياة. لقد صدق أبي, دقته و حرصه, وقاره و روعة سكرتيرته, الوقار الذي كان قد ورثه من الآباء و الأجداد , لا ينسجم وقاره العظيم بأي حال من الأحوال مع حياتي المشوشة المضطربة و قلبي الآسن . في بيته رف خاص للصابون , و آخر للسجائر , غرفة خاصة للكتب و و و ...

شعر أبي اليوم بالإهانة أكثر من أي وقت آخر, لذلك جاء بنفسه و تنازل أمام ( وقاري) و حضر إلى منزلي.

ألستُ ذلك الولد الذي كان قد ترك المنزل؟ لأنه لا يريد أن يأكل غداءه يوميا الساعة الواحدة ظهرا؟ وان يعود إلى البيت يوميا الساعة الحادية عشر ليلا ثم ينام مبكرا , و أن يحضر الساعة السابعة صباحا على سفرة الفطور؟

كان يسحب دخان سيجارته , عندما غسلت وجهي بالماء, ثم جلست بجانبه . سألني :" ألم تفكر يوما بالسفر صيفا أيام العطلة ؟"

لم افهم ما كان يقصد حينها؟ لكنه أراد أن يقول : هل تريد السفر معي؟ لذلك لم اجبه بصراحة , أجبت:" لا املك النقود , لقد أعطيتني القليل هذا الشهر ."

-حسنا فعلتُ أن جئتُ إلى هنا.

-إذا لم تأت اليوم لكنت استلفت المال.

لأنني كنت اعلم انه يكره السلف, فأظهرت له بأنه لا يمكنه أن يقمعني بأمواله .

أبي بعد برهة من السكوت - ذلك السكوت الذي كان يستعمله دائما كنوع من أنواع التعذيب و القمع , بعينيه البارزتين الحمراويين , كان يريد, لو استطاع, أن يحرقني بهما , هاتين العينين بهذا الاقتدار و الظلم و الجبروت رمز لعهد البربرية و التخلف, إنهما قاتلتين و مقرفتين. بعد لحظة من السكوت يخرج أبي دفتر شيكاته من جيبه و يحرر لي شيكا بمائة مارك و يقول: " إنا سأسافر سأذهب إلى ضواحي سيتو إلى إحدى المصايف المتاخمة لجكوسلفاكيا (نسيت اسمها), القطار سوف ينطلق الساعة الحادية عشر . إذا أمكنك اذهب إلى بيتي و انتظر هناك حتى يأتي ابن صاحب بيتي حاملا حقيبتي و يوصلها إلى محطة القطار. أو إذا أردت أن تأتي الساعة الحادية عشر إلى المحطة حاملا الحقيبة لنسافر معا."

و بدون النظر إليه قلت:" حسنا"

- ماذا تعني بحسنا, هل ستأتي , أم سترسل حقيبتي؟

- ألا يمكنك أن تحمل حقيبتك بيدك؟

عينه تقدح شررا, لكنه تمكن من تمالك أعصابه , و كعادته أجاب بكل برود:" لدي عمل قبل ذلك, الآن الساعة التاسعة, الساعة التاسعة و النصف لدي عمل في مكان آخر"

- حسنا سأشرب الشاي الآن, ثم اذهب إلى البنك ثم اذهب من هناك إلى بيتك و أبقى حتى يأتي ابن صاحب البيت ليحمل حقيبتك إلى محطة القطار ثم أعود بعدها.

- إذن اذهب فورا إلى البنك حتى لا تتأخر.

- لسوء الحظ ليس لدي من المال ما أذهب به.

ضحك أبي, و أنا أيضا ضحكت, أعطاني عشر ماركات إضافية . شكرته . ذهب أبي, لقد تأثرت قليلا, أبي يترك فيّ ذكرىً جميلةً , لكن ليس هو نفسه! إنما عطره , ربطة عنقه, و هذه المرّة نقوده ... لكن أفكاره!

يجب أن أكل غدائي الساعة الحادية عشر ... وإلا ... تنهار أنظمة الحياة... صفعة عظيمة للهيبة و الوقار , تنهار الحياة العائلية, يجب مراعاة أنظمة و قوانين الحياة الأسرية المقدسة ! ما أجمل أن يجتمع الوالدين مع أبنائهم! يتجاذبون أطراف الحديث! الأب و الأم يتصدرون مجلس العائلة! يأمرون و ينهون ! يأتون و يذهبون! الأب دكتاتور البيت! صحيح... انه اثر الدين على العائلة أو العكس. صحيح إنها الدنيا الغابرة!

لبستُ ملابسي و ذهبت. اللون القاتم لشوارع برلين . إنها الحالة الخاصة لهذه المدينة في شهر آب , هذا صيف جديد خانق , انه يقتلني, هل اذهب مع أبي إلى ذلك المصيف؟ بتلك الهيئة ذلك العطر ليس عبثا! يذهب إلى أطراف جكوسلوفاكيا , كيف؟ سأذهب معه, لكن لا, قبل عدة أيام عند تلك السيدة الروسية... ما كان اسمها؟ كاتوشكا ... كاتوشكا ...ا وسالوونا... عندما ودّعَ احدنا الآخر , و عندما كانت تضع يدها الرشيقة البيضاء. بأصابعها الطويلة الجميلة, تضعها في يدي كانت تقول : " لنلتقي مرة ثانية , أنا سأذهب إلى سيتو , تعال أنت أيضا إلى هناك."

ليلة البارحة عندما كانت بين ذراعيَّ بوجهها الأبيض و جسمها الرشيق , عندما كان خديها البارزين الناعمين يلتصقان بوجهي, أباحت لي بأمور , هل كانت تتملقني! لا, لم يكن تملقا , لم تكن بتلك الحالة, لقد كانت تكذب, ماذا كانت تفعل؟ مدت يدها و كانت تسرح شعري, قالت لي: " أنت تختلف عن الجميع" .

انفجرتُ فجأةً بالضحك بصوت عالٍ وسط الشارع , نظرت و إذا بي أسير بدون شعور لأكثر من ساعة في الشوارع حتى إني عبرت بيت أبي , جاءت سيارة , ركبتها...

السيارة تهتز رويداً رويداً كأنني طفل في حضن أمه , يغشاه النوم , لكنه نوم مليء بالحوادث . كاتوشكا ... اوسالوونا ... إلى أين تذهب, الى سيتو؟ الى سيتو؟ لقد سمعت هذا الاسم اليوم , هو نفس المكان الذي يذهب إليه أبي . كيف ؟ هل اذهب مع أبي , لا ..., اذهب مع أبي إلى سيتو لأرى كاتوشكا ... اوسالوونا . ما أجمل أن يقضي المرء وقته مع الروس. الروس المهاجرون! ... لقد حدثتني عن الكثير , عن الدوق, عن الأمير, عن البلاط, عن راسبوتين, عن القيصر, عن تولستوي, عن سيبيريا , كانت تعلم إني أخالفها. كانت تعلم إني كنت أحب شفتيها فقط , وليس مجوهراتها التي تتلألأ في رقبتها , عندما كنت أعارض كلامها , تُسكِتُ فمي بشفتيها , حتى لا انطق ثانية بأي كلام, كانت تعلم جيدا إنني القي بكل كلامها خلف ظهري, كانت تعلم إنني على يقين من كذبها , و إنني استخلص الحقيقة خلف ستار كذبها, و مع ذلك فهي تحبني, و لحد الآن تحبني. أنا على يقين...

السائق يسأل :" سيدي إلى أين اذهب؟"

•- كم الساعة الآن؟

•- العاشرة و النصف.

•- اذهب إلى اولاند شتراسيه 28 .

لقد قررت الذهاب الى سيتو . لكنني لم اصل إلى أبي بعد. في البدء ذهبت إلى بيته . وضعت الحقيبة في السيارة , أخذت النقود من البنك و تحركت السيارة الساعة الواحدة إلى نفس المكان الذي كان أبي قد ذهب إليه .

***

تتأخر السيارة حوالي الساعة تقريبا في كورليتس , لذلك وصلت عصرا الى سيتو ثم استقلت القطار ذاهباً إلى ذلك المصيف . وضعت الحقيبة في المحطة , اتخذت شقة قريبا من كاتوشكا . كان لديها شقة في شاليه ( البيت الأخضر) في المصيف. كما اتخذت هناك شقة لي.

كانت كاتوشكا تسكن مع أمها و امرأة أخرى يسكنون غرفتين في ( البيت الأخضر) .

بعد ساعة من الزمن كتبتُ على كارتي : عزيزتي كاتوشكا , لقد وصلت الآن , أود أن ألقاك . حددي الزمان و المكان. ف

ضربت الجرس فجاءت الخادمة , ذات التسع عشرة عاما بشعرها الأشقر و عينييها الزرقاويين, عندما اعطيتيها الكارت , ضحكت و قالت : " سيدي, ألستَ أنت السيد ف ؟ عندما جاءت السيدة قبل أربعة أيام كانت تسأل عنك دائما."

_ و ما شأنك أنتِ بالموضوع؟

_ في الواقع أنا أحب السيدة كثيراً , لقد كانت هنا العام الماضي , أهدتني كتاباً , و هنالك أشياء أخرى.

سألتها ما هي الأشياء الأخرى ؟

_ لدى السيدة سرٌ احتفظ به.

_ ما اسمك؟

_ فريدل .

_ حسنا فريدل ألن تخبريني بالسر الذي لديك؟

_ أرجو أن لا تلح عليَّ كثيرا.

_ حسنا, إذا لم ترغبي بأخباري , أنتِ حرة.

فكرت الفتاة قليلا ثم قالت:" لا, سوف أخبرك لأنني اعلم إن كاتوشكا تحبك و لا تحب غيرك , منذ اليوم الذي جاءت فيه كاتوشكا إلى هنا كانت تأتي إلى هذا المكان و تسأل عنك. لكن اليوم جاء احدهم الى السيدة , هذا السيد جاء قبلا مع كاتيوشكا و أمها من اجل دفع إيجار البيت , لكن السيدة لا تحبه , اعتقد إنها مجبورة على ذلك, لقد قالت عصر اليوم متى يأتي اليوم الذي يصل فيه السيد ف؟ "

أخرجت من جيبي عملة بقيمة ماركين . و وضعتها في يد فريدل , ثم سألتها : " حسنا فريدل, ما هي مواصفات ذلك الرجل ؟"

_ والله , لست متأكدةً , حيث إني لم أره من قريب .

_ حسنا , فريدل , اذهبي الآن و أعطي هذا الكارت إلى السيدة لكن احذري أن لا يراك احد.

لقد ذهلت مما سمعتُ ... فكرت أن اترك الشاليه و اذهب حيث أبي يسكن.

لكن كل النساء سواء, بكائهم كذب , ضحكهم كذب! إذا كانت كاتوشكا كذابة فكل النساء كذابات, تلك العيون البريئة كيف يمكنها الكذب! لكنني لا أريد أن أأسرَ تلك العيون و الخدود الناعمة,هي ايضا انسان يعشق الجمال , فما الذي املكه انا لا يملكه ذلك الشخص ... لماذا أفضل نفسي عليه, ربما هي كانت تحبني بحق, لكن حتما ان امواله اكثر من مما املك, و هنا توضع اولى عوائق العائلة المقدسة.

حسنا فعلت اني لم اعطها العلبة, من السيء ان يتصرف الانسان بخفة, لقد تسرعت اذ ارسلت لها الكارت,لكن تلك الفتاة كانت مطلعة على كل شيء , فلا يمكن عمل شيء, عادت فريدل , كانت قد كتبت كاتوشكا على الكارت الذي ارسلته لها :" امي تريد ان تتعرف عليك, و ترجوك ان تقبل دعوتها على العشاء عندنا ."

... يجب على الان ان اغير ملابسي , يجب ان اؤدي مراسم الزيارة بكل ادب , يجب ان اقبل يد امها ... لقد جئت الى هنا فقط لأقبل خدي كاتوشكا, جئت لأرى عينيها , ما العمل؟ هل اعتذر عن الدعوة , يجب ان اذهب عند ابي , لقد وعدته ان آتي , كاتوشكا اوسالوونا. صرخت بأسمها...

فتح باب الغرفة , ودخلت كاتوشكا الغرفة , اقبلت نحوي و قالت : " لقد جئت اخيرا؟ كنت يائسة تماما." عندما سمعت صوتها الناعم العذب , رحل عن فكري كل ما فكرت به سابقا . قبلت يدها , و اجلستها على الكرسي, قلت :" أرأيت لقد جئت."

جلست على حافة الكرسي , و وضعت يدي حول رقبتها , نظرت الي و قالت : " لقد كنت يائسة من مجيئك تماما"

_ لماذا؟

_ لماذا؟ الست اعرفك ؟ انت دائما ترى الاحلام , انت دائما في نوم عميق, سأوضح لك الآن , انت اصلا لا تسمع ...

لقد صدقت في قولها , كنت اتأمل نقش الورد الجميل الذي على قميصها الابيض الناصع , كنت استمتع بالنظر الى بياض صدرها البارز من اعلى القميص. كنت استمتع بالنظر الى رقبتها الجميلة المتناسقة المغطاة بشالها الاسود.

كنت انظر الى رمشيها السوداوين اللذين كانا يغطيان كل عينيها , لم اكن استمع الى كلامها لذلك كان طبيعيا جدا, كانت عيناي تتأمل عيناها. ثم قالت: " لقد جئت الى هنا لارجوك ان لا ترفض دعوة امي."

•- وكيف عرفتي اني لن آتي؟

كاتوشكا و هي ترمش بعينيها قالت :" انا اعلم انك لا تحب هذه الامور الرسمية".

أجبت بدلا من لساني, أجبت بشفتي على شفتيها , لثمتها برهة من الزمن. كانت تعرفني جيدا. " كيف عرفتيني بهذه الصورة؟" هذا السؤال تعتبره اهانة لها . كانت حساسة جدا, لكن ليست حساسة للكذب " هل يمكن هذا؟" ربما بعض الشيء.

•- انت تعتقد اني عرفتك قبل شهر, الوقت الذي عرف فيه بعضنا الآخر . انا اعرفك منذ اليوم الذي عرفت فيه نفسي, متى رأيتك اول مرة؟ في الرؤيا, في ذلك الوقت كان عمري خمس عشرة سنة , كنت اعشق العيون الزرقاء دائما, مثل عينيك. كنت دائما اعشق الشعر الاشقر و الاصفر مثل شعرك. اتذكر اليوم الاول الذي التقينا فيه ماذا قلت لك؟ كنت اعشق حلما وأرى الحلم اليوم صار حقيقة تجسدت فيك, بأفكارك الحائرة, في حياتك, في روحك المضطربة. انت على علم بتفاصيل حياتي , انتم رجال من نوع خاص , انا اعلم جيدا انك لن تحبني في يوم من الايام, مخلوق يأتي ثم يرحل فجأة, كالموجة , لكن الماء في مكانه , ستنساني أليس كذلك؟ لكني لن انسى , لقد تحققت احلامي, لم تذهب حياتي سدى , لأني عشت حياتي مع هذا الحلم. سأبقى اتذكر هذه الأيام الجميلة , انت لا يمكنك ان تكون زوجا لي في يوم من الايام, كيف يمكنك ان تقضي عمرك معي؟ لكن تلك اللحظة التي كنت معك فيها... تلك اللحظة...

اجهشت بالبكاء : " في النهاية يجب ان اعيش حياتي, يجب ان اتزوج." اخيرا فهمت القضية . ذلك الرجل الذي تعرفت عليه مؤخرا حتما يريد الزواج منها. ربما لو كانت كاتوشكا تمكنت ولم تجبرها الظروف, لكانت بقيت معي بدون ان تصبح زوجتي. لم يجبرها اي احد , لا ابوها لا امها , لكنه اجبرها الشيطان اللعين المتجبر, المال , المجتمع, البيئة, لتذهب لتبيع نفسها عمر كامل , لتتمكن فقط ان تعيش, جميع النساء يبيعنا نفسهن, بعضهن مقابل مال قليل ليوم او لساعة , و بعضهن لعمر كامل فقط لتأمين لوازم الحياة.

•- لا تبكي كاتوشكا , هل فهمت الان لماذا اشمئز من حياته؟

لمتفهم ما أقول , قبلتني , قبلة فقط الروسيات ذوات الشعر الاسود يمكنهن منحها للآخرين, سألتني :" متى أراك؟" قلت :" بعد العشاء نتمشى قليلا؟"

•- حسنا بعد العشاء.

***

العشاء مع ام كاتوشكا و السيدة الاخرى كان مملا و باردا . بعد العشاء ذهبت مع كاتوشكا لنتجول قليلا, تمشينا ما يقارب النصف ساعة , كان الجو مظلما, كنا نمر بين اشجار الاثل, الغيمات القليلة في السماء كانت تجعل الجو اكثر ظلمة , كانت الطرق فارغة و خالية من اي الصوت . يسمع من بعيد صوت كلاب القرى, كاتوشكا تسمعني قليلا من الشعر الروسي, كنت استمع اليها. شعرت كاتوشكا بالتعب, سألتها:

•- هل تريدين ان نجلس قليلا هنا؟

•- لا بأس.

•- لنذهب اعلى المنصة.

•- اخشى ان اسقط.

•- لا تخافي سأمسك بك. هنا الجو خانق, الجو في الاعلى افضل.

كان للسقيفة اربع سلالم, عندما وضعت كاتوشكا قدمها على السلمة الاولى صدر صوت منها . فألقت كاتوشكا بنفسها علي. كانت ذريعة ليقبل بعضنا الآخر ثانية. ساعدتها لتصعد السلم. كنا نحتضن بعضنا الآخر عندما صعدنا السلالم محاطين بالاشجار السوداء , كانت قمم الاشجار تتحرك كأنها امواج البحر, غنت كاتوشكا بصوتها الجميل ثانية, كانت تغني الشعر الروسي. صوت جميل جذاب. اخت يدها بيدي.

•- كاتوشكا!

بدلا من ان تجيبني وضعت رأسها على كتفي. ما اجمل ان لا يكسر هذا السكوت الجميل شيء. بعد برهة من الزمن سألتني:

•- كيف اقتنعت بالمجيء الى هنا ؟

•- اولا انا كنت قد وعدتك...

قطعت كلامي و قالت "و ثانيا..."

•- ثانيا جاء ابي الى هنا فجأت معه.

•- و لم لم تخبرني؟

•- لا حاجة للكلام . انت تعتقدين بأمك و ابيك كثيرا. انت تعلمين , انا افكر عكس تفكيرك, في كل شيء.

•- عرفني عليه. هل تخجل؟

•- و لم الخجل؟ أنا لا ارغب . إذا رغبت انت . غدا...

•- اخفت و جهها على صدري , قالت :" لا يمكنني غدا."

•- و لم لا يمكنك غدا؟

•- شبكت يديها في رقبتي. قبلتني و أجهشت بالبكاء. فككت يديها من رقبتي , تحسست خديها بين يدي , القيت نظرة في عينيها وسط الظلام, و قلت : " لا تبكي , كاتوشكا, انا اعلم , لقد فهمت كلامك اليوم , هكذا هي الدنيا, ان ايضا احبك, انا احبك الى درجة انني لا استطيع ان اشتريك, من الافضل ان يبقى حبي لك حلما, انه حلم ليس بالسيء. يهب للأنسان العشق, يعطي للأنسان الجرأة و الامل . غدا تريدين ان تتجولي مع ذلك الشخص الذي عرفتيه مؤخرا. حسنا سأراك غدا ليلا ."

•- لا تظن انني سأكون معه غدا وحدي . امي ستكون برفقتي. غدا سنكون في ضيافته في فندق "الحصان الابيض". تعال غدا ليلا سأعرفك عليه. اذا كنت تحبني اريد ان اسمع رأيك فيه.

•- حسنا, كاتوشكا. سأذهب غدا لأبي, وفي المساء سأكون في فندق"الحصان الابيض".

لم نتكلم بحرف بعدها. نطقا كل شيء بالدلال و القبل . قليلا قليلا طلع القمر . تأخر الوقت. نزلنا من المنصة . الطيور التي اثملها ضوء القمر كانت تغازل بعضها البعض, كنا نسمع الى اغانيها و نتلذذ بصوتها.

كانت الساعة الحادية عشر عندما ذهبت الى غرفتي. ناديت فريدل , احضرت لي الشراب . بعد مدة من الزمان ارتفع صوت الجرامافون من غرفة الجيران. شربت و دخنت عدة سجائر لوقت من الزمن.

***

في اليوم التالي غادرت الغرفة الساعة التاسعة صباحا. في البدء تجولت قليلا, فريدل كانت تربط رأسها بغطاء ابيض و كانت تعمل كعادتها في الغرف.

قالت لى ان كاتوشكا و امها و تلك السيدة الاخرى خرجوا للتجول, في ذلك الوقت ذهبت لمحطة القطار . ذهبت بحقيبة ابي من هناك مستقلا عربة حصان الى الفندق الذي يقطنه "الحصان الابيض". كان الطريق بين مكاني حتى ذلك الفندق يستغرق نصف ساعة تقريبا.وصلت الى هناك الساعة العشرة و النصف لكن ابي لم يكن هناك. قالوا انه غادر الصبح مبكرا . أمنت الحقيبة عند صاحب الفندق و رحلت. عندما وصلت المغرب الى فندق "البيت الاخضر" , لم تكن كاتوشكا هناك , جاءت فريدل ثانية, هذا المساء لم تكن كعادتها فهي انيقة جدا :" سيدي, السيدات جئن و ذهبن."

•- فريدل أنت اليوم أنيقة جدا.

•- نعم, اليوم طلبت اجازة , سأذهب مع خطيبي للرقص.

تناولت عشائي وذهبت سيرا الى الفندق الذي يسكنه ابي . وصلت هناك الساعة التاسعة. عندما ذهبت الى غرفة ابي, قالو انه في الصالون في الأسفل. نزلت السلالم, فتحت الباب رأيت كاتوشكا تجلس بجانب ابي . الخادمة كانت ترفع قناني الشراب الفارغة وتجلب بدلا منها الممتلئة, كان وجه ابي حليقا, كاتوشكا كانت تلبس الازرق, كانت اجمل الجميع, خرجت من فوري, كتبت لكاتوشكا على الكارت و اوصيت الخادمة ان توصله لها :

" عزيزتي كاتوشكا, لقد رجوتني ان اعرفك بأبي , انه يجلس على نفس الطاولة التي تجلسين عليها, رجوتني ان اعطيك رأيي بالرجل الذي سيصبح زوجك. انه زوج رائع جدا, سوف يسعدك ف."

قلت لصاحب الفندق: " هذه الحقيبة هي لذلك الرجل الذي يجلس بجانب تلك السيدة."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى