صفاء عبد المنعم - النبوءة..

كل يوم يراها ، والكتب تحت إبطها وهى خارجة من الدرس .

ينظر إليها بعينه اليمنى الزجاجية ، ويناديها : ياست الناظرة .. أتفضلى .

تسير بخطوات بطيئة حذرة وهى تضحك : بخير الحمد لله .

تقترب المسافة بينهما ، تنظر إلى عينه المصنوعة من الزجاج ، وتتعجب ، كيف يرى بها ؟

ينظر إليها بشكل واضح : والله نظرة ، ناظرة بإذن الله .

ثم تبتعد عنه ، بعد أن نالت بركاته ودعواته ، وتتركه جالسا على ناصية الشارع أمام المحل ، يطرق بقدومه على حذاء قديم ، يرتقه

( الحذاء بين المطرقة والسنديان) يضحك ، ويضع مسمارا صغيرا ، ويواصل الدق : طب والعدار ناظرة ، نظرة ياست .

تضحك فى سرها ، وتسير مبتعدة ، يصبح هو نقطة بعيدة ، هى لا تصدق نبؤته ، ولا خرفاته ، ولا صيحاته العالية ، مناديا عليها : ياست الناظرة ، نظرة ياست ، ويواصل عمله بهمة ونشاط .

طفلة صغيرة فى الثامنة من عمرها ، كيف يعلم هو ما فى الغيب ، والمصير ، والمقدروالمكتوب ؟

تدخل البيت ، وهى مازالت تتعجب ، وتضحك فى سرها ، وصوته يتبعها فى كل مكان ، ونداءه يلاحقها : نظرة ياست ، ياست الناظرة

الإعلانات
الإبلاغ عن هذا الإعلان

تجلس على المكتب ، تذاكر دروسها بجد وإجتهاد ، وطنين الجملة واضحا .

لقد أدركت بحس طفولى صادق أن الأيام تعدها بشىء عظيم ، سرى وغامض ، ومحببا لديها ، ربما يكون هو رأى هذا المستقبل داخل

( العين السحرية ) التى لديه ، وهى عين مصنوعة من الزجاج ، ويرى بها من خلال جحوظها عن أختها العادية ، ربما !

يكون هو يرى بها بشكل صادق ، خصوصا أنه ينادى عليها وهى تمر من أمامه ، لا ترى إلا عينه الزجاجية فقط ، والأخرى الحقيقية تختفى ، يغمضها كى يراها .

تجتهد بكل مالديها من قوة وحنين لهذا المستقبل القادم ، الذى تنتظره بشغف .

وأحيانا كانت تهرب ، وتمر من شارع آخر حتى لا يراها ، فهو يجلس فى مفرق طرق ، يلمح خيالها تمر برائحتها ، فينادى عليها : ياست الناظرة ، نظرة ياست .

يحمر خداها خجلا ، وتعود تسير من أمامه وتحدثه : أزيك ياعم (عيسى) ، وتتعمد أن تلقى عليه السلام ، وينتبه لها عندما يكون مشغولا ، أو يتحدث مع زبون من الزبائن ، فتنتصر الرغبة داخلها ويتبدد الزعر ، وتنتشى لصوته الذى يتبع خطواتها : ناظرة ياست ، ياست نظرة .

تزداد تألقا وحيرة .

ولكنها تواصل ما بدأته من مغامرة للمعرفة .

المعرفة !

التى سوف تعانى من هذه النبؤة القاتلة والجميلة ، والجملة التى ألقاها ذات يوم رجل غامض ، كان يسكن حيهم ، وهى صغيرة ، ويجلس فى مفرق طرق ، يلمح طيفها ، ويشم عطرها ، فينادى هائما ” ياست الناظرة ، نظرة ياست .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى