عادل الأسطة - أنا والجامعة -4-

أنهيت الماجستير وعدت إلى الضفة . كانت الرحلة شاقة وربما لا يعرف مقدار المعاناة في تلك الأيام إلا من كابدها ، وبدأت معاناة من نوع آخر ،فقد غدت الشهادة عبئا على حاملها إن لم يدرس في جامعة ما . أن تحصل على الماجستير في ذلك الزمن وتبقى معلما في مدرسة ثانوية أو إعدادية فكأنك لا رحت ولا جئت ولم تحصل على شهادة عليا ، ويبدو الأمر اليوم مختلفا كليا ، فقد غدا امتلاك شهادتي الماجستير والدكتوراه والعمل معلما في مدرسة ثانوية أمرا عاديا ، وإن أثقل على حملة الشهادات وأحزنهم ، بل وأبكاهم ، وحين يسألني طلابي عن رأيي في مواصلة تعليمهم الجامعي المتقدم أنصحهم بألا يفعلوا إلا إذا تبنتهم جامعة وألزمتهم بالعمل فيها بعد حصولهم على الشهادة .
عدت إلى الضفة وبدأت أبحث عن وظيفة في الجامعة ، علما بأنني لم أقدم استقالتي من وظيفتي في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، فعصفور في اليد خير من عشرة عصافير على الشجرة .
ذهبت إلى جامعة النجاح مباشرة ولم أذهب إلى المرحومة يسرى صلاح والمرحوم موسى الجيوسي والمرحوم شوكت زيد ، فقد اقتنعت بأنهم إنما حثوني على مواصلة الدراسة لإقناع أنفسهم بأنهم حريصون على مستقبلي وهم يعرفون أن من يقرر هو المرحوم حكمت المصري فقط .
كان الدكتور أحمد حامد يومها رئيس قسم اللغة العربية ، وذهبت إليه مباشرة اسأله عن إمكانية تعييني في القسم .
رحب بي الدكتور وكان صريحا معي ، فالقسم كان بحاجة إلى متخصص في مادة البلاغة ، ولما أخبرته أنني متخصص في الأدب الفلسطيني اعتذر .
لم أترك جامعة من جامعات الضفة الغربية في ذلك الوقت إلا ذهبت إليها اسأل عن إمكانية تعييني ، وهذا ما تعسر، وهكذا بقيت معلما في مدرسة العقربانية الإعدادية في مدارس الأونروا .
في تلك الفترة أصرت إسرائيل على تطبيق قانون رقم 854 الذي يطلب من المحاضرين القادمين بتصاريح إسرائيلية ولا يملكون هوية ضفة غربية وقطاع غزة ، أن يوقعوا على وثيقة ترفض الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ، وهذا ما رفضته الجامعات الفلسطينية .
شددت إسرائيل على تطبيق القرار ورفض المحاضرون الانصياع وطلبت منهم منظمة التحرير ألا يوقعوا ، وكانت النتيجة عدم السماح لعدد كبير من أعضاء هيأة التدريس بالبقاء في الضفة الغربية، وهكذا أصبحت الجامعة تعاني من أزمة في المحاضرين .
كان عدد أعضاء هيأة التدريس في قسم اللغة العربية ممن طلب منهم مغادرة الضفة خمسة ، ولما كان الفصل الدراسي الأول على وشك أن يبدأ فقد أعلنت الجامعة عن حاجتها إلى أعضاء هيأة تدريس من حملة الماجستير فأعلى .
تقدمنا يومها ثلاثة من حملة الماجستير ؛ أنا من الجامعة الأردنية واثنان بالانتساب من الجامعة اليسوعية ، وكنت الأكثر ملاءمة ؛ للجامعة التي تخرجت منها بالالتحاق ولعمري ، وربما لوقوف الدكتور محمد جواد النوري والأستاذ فتحي خضر صديقي إلى جانبي . وهكذا صرت عضو هيأة تدريس في جامعة النجاح الوطنية لمدة 37 عاما .
أحيانا يقول المثل "الله بكسر جمل من أجل أن يتعشى واوي " ، ومع أنني في رحلتي الجامعية لم أكن واويا إلا أن مصائب قوم عند قوم فوائد، وكان علي طبعا أن أثبت نفسي .
أذكر أنني يوم عينت سئلت من الدكتور محمد جواد النوري إن كنت شيوعيا أم لا ، ولم يكن تعيين اليساريين بشكل عام مرغوبا فيه بخاصة بعد المشاكل التي شهدتها جامعة النجاح في بداية 80 ق 20 بين الإدارة والنقابة .
ما يجدر أن أشير إليه هو أنني طيلة مسيرتي في التعليم لم ألتفت إلى الفصيلية على الإطلاق ، ولم أتعامل مع الطلاب من منطلقها ، ولقد حرصت أن أكون أكاديميا صرفا ، وإن شاع رأي يزعم أصحابه أنني وأنا أدرس الأدب الفلسطيني أدرس نصوص الأدباء اليساريين ، وربما أتوقف أمام هذا في يوم الجمعة القادم .

25 تشرين الأول 2019

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى