أندري شديد - راعية النّجمات الثّلاث.. (ثماني قصائد) – ترجمة : مبارك وساط

قصائد:

1- أين أنت ؟

أين أنتَ يا صوتيَ البعيد
أنت الذي تتكلّم كما روحي

مطمور تحت ضوء النهار والضّوضاء
تحت الذّهب والفصول

تحت تشكّيات الشارع
وتململ المدن

في قبر هواجسي
وضحكي الأشقر

بأيّ عُرْيٍ يجب أن أَلُفَّ جسدي
ليجيء الصّوت
الذي يتكلّم مثلما روحي؟


2- الآبار

وضعتُ حبّة البَخور تحت المطرقة
لأُُنصتَ إلى صوت الآبار

الصَّوتُ ذو قوة التّخريب
الحامل لطفولة جدول
لمخافةِ الكسوفات
لنشوة الهجرات

إنّي الذّكرى
إنّي التّهديد

إلى كلّ حجر ألقيت
اسماً لشمس.


3- أرض أو سماء

مع مجيء الليل ذي الأقمار المجنونة
على الأنهار التي لا ضفاف لها
تهتُ، ناسيةً أن آخذ معي
حتّى اسمَ أُمّي. أيكون هذا، أخيراً، دُنوّ
عالَم بلا مرايا؟

أبداً لن تجرؤ أصابعي على لمس
كلِّ هذا الجَمال مجتمعةً!

السّماء شديدة العلوّ، وعديمُ الرّحمة هو المدّ؛
هنا، هنا علينا أن نستأنف كلّ شيء مُجَدّداً
لكنّ ألسنتنا اهترأتْ بمفعول الكلمات
المستعمَلَة كلَّ يوم،
فمن فَرْط العيش ضاع ماءُ نظرتنا العذب.

مع هذا، فهل هنالك أقرب إلينا من العصفور،
نحن الذين يقال إنّنا منذورون
للغُبار المُصمَت؟


4- نافذة للانحناء

لا أومن بعدُ بحوادث الغَرَق.
هنالك قناع أزرق في قعر كلّ بئر؛
حاملاتُ الخبز يتوالين.
الحيواتُ تتذكّر حيوات أُخرى.

ستبقى دائما نافذة يمكن الانحناء منها،
وُعودٌ ينبغي الوفاء بها،
شجرةٌ لِنستندَ إليها.

في مكان ما يوجَدُ وجهُ أرضنا.
من سيقولُ لنا اسْمَه؟


5- وحده، الوجه

الشَّجرة فقدت العصفور
والسبيلُ فَجْرَه،
حمامةٌ تحتضر لصيقةً بالليل.
أين هم رفاقنا؟
أين هو الملكوت؟
من أجل من تتكلّم،
ولماذا أكتب؟

نعيش في غالب الأوقات مثلما ظلال
ظلال، ربّما نكون ثمراتِها.

الإنسان الذي يُحارِب بأسلحة وفوانيس
الإنسان الذي يسقط صريعاً،
وبه جراح، حواليه كهوف،
ينبثقُ من جديد، زُرقةَ دمعٍ،
موسماً للمعارك، وردةً عميقة.

نعيش في غالب الأوقات مثلما ظلال
ظلال، ربّما نكون ثمراتِها.


6- غامّا

أنا راعية
النجمات الثلاث
أَلْفَا بِيتَا وغَامَّا
اسألوني من منهنّ أفضّل
أنا لن أخبركم

إحداهنّ تتبعني
الثانية تسبقني
لكنِ الثالثة
غامّا
سواء كنتُ حزينة أو جريحة أو قبيحة
مثلما أسير
تسير


7- القلبُ المُبْحِر

بعيداً عن العبادات
التي تُحيلنا إلى رماد،
بعيداً عن المعابد
التي تَجِدّ السّماء دون طائل
ليكون لها مدخلٌ إليها

بعيداً عن قوى الحديد
التي تُسقطها قوىً أخرى

لننتخب الحياة
على قمّة النّهار الجريح

أَوْلَى الثَّمرةُ بنت المصادفة
من الحرف المرمريّ،
أَوْلَى أن نبحثَ على الدّوام
وألّا نعرف أبداً:

أَوْلَى قوسٌ تَخرق أدغالاً،
جَناحٌ يجتاز فخاخاً،
من الاكتمال المنفِّر
لحقيقةٍ ما.

الزّمن يذوب كما الشمع،
والأقفال لا تنفتح
إلّا للقلب المُبْحِر.


8- حياة (4)

حينَ يُشعِلُ الحُلم أجسادنا المُعتمة
فجأةً تسود الحياة

تنبثق الطفولة من منافذها الأرضيّة

يتكاثر فيك النّهائيّ واللانهائيّ معاً

يتقدّم الشّتاء
ولا يُدَمِّر.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن الشّاعرة : وُلِدتْ أندري شديد (اسمها قبل الزواج: أندري صعب) سنة 1920 بالقاهرة، لعائلة سوريّة-لبنانيّة. كان زوجها لوي (لويس) سليم شديد عالم أحياء، من أصل لبنانيّ أيضاً. في 1943، انتقلتْ، رفقته، للعيش في لبنان، ونشرتْ أولى مجموعاتها الشّعرية (باسم مستعار: أ. لَيْكْ)، وقد كتبتْها بالإنجليزيّة. سنة 1946، استقرّتْ مع زوجها نهائيّاً بباريس، وأصبح هذا الأخير أستاذاً بمعهد باستور بالعاصمة الفرنسيّة. إثر ذلك، أصبحت تنشر أعمالها (دواوين شعر، روايات، مجموعات قصصية) باللغة الفرنسيّة.
من أعمالها الشعرية: -نصوص لوجه، -نصوص للحيّ، -نصوص للأر ض المحبوبة، -أرض وشِعر… ومن رواياتها: -اليوم السّادس، -الآخر، -نفرتيتي وحلم أخناتون، -بيت بلا جذور…

********
ممّا كتبتْ أندري شديد مقابِلةً بين الشعر والرواية، نورد ما يلي: «الشِّعر، مثلما الحُبّ، يَشحن بكامل محتواه الوجه والحركة والكلمة، ويُلزمها الظهور بجميع فضاءاته. من دون الشعر، في لحظة انوجادها (أي الوجه والحركة والكلمة)، ستكون قد ماتتْ، أو انحبستْ إلى الأبد في أشكالها الضّيّقة، ممّا يعني موتها بصورة أُخرى.
الرّواية تتشكّل جسماً لتكتسي ملبساً بعد ذلك. الشِّعرُ يكتسب روحاً، فيبقى على عُريه.

الشّعر يُوحي. وفي هذا، يكون أقرب إلى الحياة ممّا نعتقد…
ما يتجاوزنا، فيما نحمل يقيناً بَذْرتَه مثلما نحمل أجسادنا، له اسْم: الشِّعر.

الشِّعر يتغذّى من حركاته.
له إيقاع الموجة. وهو منذور لأن يَعْبر.

الشِّعر طبيعيّ.
إنه ماء عطشنا الثّاني.

… لا أحد يتناغم مع عزلاته أكثر من الشّاعر؛ لكن، لا أحد أكثرَ منه، أيضاً، في حاجةِ إلى أن تُزار أراضيه…»



* المصدر:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى