الروائي العراقي عبدالخالق الركابي: نصوص الخارج لا تجاري نصوص الداخل.. حوار أجراه جعفر الديري

عبدالخلق الركابي، الروائي والشاعر العراقي الكبير، مبدع يمتلك مفاتيح الوعي والرؤية الواضحة، يوظف الأسطورة بذكاء من أجل جلاء الحاضر العراقي، كما فعل في رواية "سابع أيام الخلق"، والتي اختيرت ضمن أفضل عشرين رواية في القرن العشرين من قبل اتحاد الكتاب العرب.
وهناك على هامش فعاليات مهرجان الدوحة الثقافي 2005، كان هذا الحوار مع المبدع العراقي صاحب روايات: الراووق، قبل أن يحلق الباشق، ليل علي بابا الحزين، وروايات أخرى...

قدر الكتابة

* أتساءل بداية عن حجم العشق الذي تحمله للكتابة والابداع. معروف عنك أنك لم تترك القلم يوما على رغم الحياة الصعبة التي تعيشها في العراق؟
- ان الكتابة لدي قبل كل شيء أشبه بالقدر الذي لا أستطيع الفرار منه، فبالتأكيد ان الكتابة لا توفر للكاتب العراقي حتى لقمة العيش. ولكنها كالشجرة التي تثمر حلوا وأحيانا تثمر زهورا سرعان ما تذبل. فنحن نتنفس الكتابة ونعيشها كتحصيل حاصل. فأنا لا أكتب الرواية لأني قررت أن أكتب رواية ولكنها هي التي تكتبني. فالرواية مثلا قد تستغرق مني أربعة أعوام وهي فترة كافية ليتخرج فيها طالب جامعي. ولكن هناك جانب ايجابي هنا وهو اشباع الرغبة الذاتية والجوع الذاتي بداخلي.

الشكل والشخوص

* عند كتابته الرواية... هل يستلهم الركابي التاريخ أم يقوم بتوظيف شخوصه من واقع الحياة اليومية التي يعيشها ويلاحظها؟
- هناك محورين يتعلقان بهذا السؤال. فهناك مسألة شكل أو بنية الرواية ومسألة الشخوص التي تتحرك ضمن الأحداث. فاذا تكلمنا عن الجانب الثاني فانه من المؤكد عندما يريد الروائي الكتابة عن شخوص الرواية فانه سيستلهم شخوصه من الواقع. ولكن لا يعني هذا أني استلم شخصية فلان الفلاني فأضعها كما هي في روايتي. ولكن قد أستعيد ملمح من حركة انفعالية، أو عاطفة ما أو نزوع انفعالي أزاوجه مع حالة أخرى مشابهة. فالروايات تتكون من عدة شخصيات تقتنع بها وتضعها ضمن روايتك. وهذه الحالات الانسانية من المؤكد أن أغلبها من الشخصيات العراقية. فهي قد تتحدث عن ذلك البناء الذي يبني البيوت أو النجار أو الحداد الذي تعرفه أو الذي مررت به. هذا من جانب ولكن عند الحديث عن كيفية كتابتي للرواية الحديثة وهو جانب فني فان الروائي ليس مؤرخا ولكنه يستفيد من التاريخ. فلدي رواية بهذا الخصوص هي رواية "سابع أيام الخلق" وهي في حدود أربعمئة صفحة أتناول فيها ثلاثة قرون من تاريخ العراق. فهي تبدأ بالوقت الحاضر من التسعينات وأتابع فيها مخطوطة اسمها مخطوطة "الراووق" وكيف أن هذه المخطوطة بقيت مفتوحة على التاريخ. وكيف أنه كان هناك مزار لسيد ما مدفون وهذه الأوراق كان يضيف اليها بشكل عرفاني فصلا كل قيم يأتي الى المزار وكيف أن هذه المخطوطة تمزق والأوراق تنتثر بين أفخاذ العشيرة. ويبدأ الروائي من خلال تجميع هذه الأوراق ليؤسس ويكون مخطوطة جيدة. فأنا هنا أستفيد من التاريخ بشكل فانتازي.

نقاط العذاب

* وهل تجد الكاتب العراقي - هذا المعذب داخل العراق- لا يزال هو المسئول عن إعطاء صورة عن المشهد الثقافي والروائي العراقي؟
- اان مقولة الكتاب بالداخل والكاتب بالخارج هي مسألة مطروحة في الوسط الثقافي. فهناك كتاب في الخارج وكتاب في الداخل. ولكن المسألة محسومة - فيما أتصور- حتى من قبل الكتاب في الخارج الذين كتبوا أعظم نصوصهم في الداخل. اذ أتصور أنه في الخارج لم تظهر نصوص أساسية قادرة على مجاراة النصوص في الداخل. فالنصوص الداخلية هي الأهم وهي التي على المحك وهي النصوص التي تنطلق من نقاط العذاب. بمعنى أنك قد تكون مبدعا ولكنك متى ابتعدت عن حالة العذاب فلن تستطيع التعبير عن حرارتها ودمويتها وبكل زخمها كما أنت في الداخل تعيش المأساة. قد يقول هذا الذي في الخارج أن لديه هامشا من الحرية أكبر مما هو في الداخل. فهو قادر على أن يكتب وهو مرتاح نفسيا وجسديا نتيجة توافر أمور كثيرة. ولكن الابداع عمره لم يكن للمترفين. فمن كتب الابداع - في الغالب- هم أبناء الفقراء والصعاليك والمعذبين وهم أصحاب النصوص العظيمة.

الفنون الفردية

* وماذا عن الفنون الأخرى... هل لا يزال لها حضورها في ظل هذا الواقع المؤلم في العراق؟
- من المؤكد أن الفنون التي تعتمد على الجهد الفردي، كالشاعر والرسام هم الأقدر على تجسيد نصوصهم الابداعية في حين أن المسرح أو السينما أو الموسيقى هي فنون جماعية فهي ليست قائمة على اختيار أو على مزاج شخصي. بل أنها قائمة على أكثر من نموذج وعلى توافر المال فهناك أمور كثيرة هي التي تحد من أفقها. لذلك هي لم تتطور كما تطورت الفنون الفردية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى