عبد الحميد باحوص - نص مفتوح:حلم في ليلة ماطرة

آخر مرة رأيت فيها الذئب كان حلما في ليلة ماطرة. و انا اتحدث هنا عن ذئب حقيقي بفروته الناعمة و التفاتاته المتسارعة المتتالية يمنة و يسرة و في كل الاتجاهات كأنه يخاف من أن يغدر به أحد من بني ذؤبان!؟
قلت في نفسي، كم انا محظوظ ، إذ الصورة التي كنت اتمنى ان أراه فيها قد تحققت لي: ذئب حقيقي، على انفراد و دون فريسته و التي قد تضفي عليه صفات من الشجاعة و البطولة و استعراض العضلات التي يراها هو بعينيه البصيرتين تطفو على فروته.
في هذه الصورة التي لا يصعد إليها الغموض و التشويش، كنت قد انتصرت على بعض الحقائق غير الكافية التي تحوم حوله من أنه حيوان مفترس و على درجة كبيرة من المكر و الاحتيال وقت البحث عن فريسته دون خصوصيات أخرى...
حمدا لله أننا نحلم و شكرا على نعمته غير المحدودة، و على الحلم هذا الهامش الثري الذي نرى من خلاله أشياء لا يمكن ان نراها في الواقع.
خصوصيات الذئب التي نسيت او تناست المدرسة ان تعلمها لنا، المدرسة التي كنا نذهب إليها كأننا ذاهبون إلى السجن او المارستان، المدرسة التي كانت تشحننا معتبرة أننا نحمل صناديق بين اكتافنا و ليست عقولا، المدرسة التي في بداية كل موسم دراسي يسألنا المعلم عن ماذا نريد أن نصبح مستقبلا و لا يعلمنا كيف نصبح مستقبلا...
حدثت نفسي قائلا: إذا كان الذئب يمشي وحيدا وغير هادىء، لا بد ان هذه اللاطمانينة، مصدرها أنه لم يجد بعد فريسته.
هذا الجواب فيه قسط من الحقيقة، و قد يكون شيئا اخرا، اي ان اللاطمانينة تكوينية، ازدادت مع، سواء وجد فريسته أم لم يجدها.
و هذا الشيء الآخر يملك هو ايضا قسطا من الحقيقة. في الحياة ، هناك دائما شيء اخر ، إذا ما أردنا أن نصل إلى نتيجة ترضي الكل. و لا احد منا يملك الحقيقة بين يديه؟؟
الذئب وحيدا: كنت قد تحدثت مع الدكتور ( ك) المتخصص في سلوك الحيوانات وخصوصا الذئاب، الذي استدعاني الى مكتب عيادته و اعطاني بعضا من وقته الثمين، جزاه الله خيرا، و قال لي دون زيادة مني إلا ما كان من حلاوة الحلم:
ثق بي، الاستاذ رشيد ان ما رأيته في حلم تلك الليلة الماطرة بخصوص الذئب الحقيقي وتساؤلاتك حول
سلوكاته اللامطمئنة ، وهو يمشي وحيدا ، فهي صحيحة مئة بالمئة وتكاد تكون سلوكات ثابتة عند هذا الحيوان.
الذئب مع الفريسة:
أنا الآن أتابع وثائقيا عبر جهاز التلفاز عن الذئاب، ولست في حاجة للذهاب عند الدكتور ( ك) لاستفساره عن سلوك حيوان الذئب أثناء افتراسه لفريسته، فقط سأستعين بملاحظاتي الدقيقة، والنتيجة ان السلوك نفسه يتكرر أي أن الذئب غير مطمئن بالرغم من أنه قد فتك بفريسته وأصبحت جثة هامدة بين مخالبه وأنيابه.
لقد اقتنعت أخيرا من أن الذئب حيوان غير مطمئن سواء وجد فريسته أم لم يجدها والحلم الذي كنت قد رأيته في تلك الليلة الماطرة كان مجرد حلم هبط الى حقيقة الأشياء.

عبد الحميد باحوص
دروموندفيل/كندا

تعليقات

جمیلة هی الحبکة السردیة خصوصا انکم استعملت اللغة السهلة الممتنعة وهذا ما جعل النص مفتوح علی جمیع القراءات الممکنة وقد یکون الذٸب رمزا من رموز المجتمع ویحاء لسخصیة من واقعنا وما اکثر الذٸاب فی العصر الحدیث وهذا یخیلنا علی شخصیات کلیلة ودمنة وکیف عبر الکاتب عن همومه وانشغالاته باسقاطات ادبیة علی لسان الحیوان .....من الممتاز ان تکون للمبدع رٶیة ناقدة لواقعه لکن برمزیة ادبیة عمیقة ....هنیٸا لکم ومزیدا من الابداع.
 
أعلى