سعيد محمود - ضوء عينيك أمْ هما نجمتان..

ضوء عينيك أمْ هما نجمتان = كلهم لا يرى وأنت تراني
ارم نظارتيك ما أنت أعمى = إنما نحن جوقة العميان
نزار قباني في رثاء طه حسين

هذان البيتان خير تعبير عن المسيرة الفكرية التنورية لعميد الأدب العربي لطه حسين الذي تحل ذكرى وفاته السادسة والاربعين اليوم. فهذا الرجل العظيم والمفكر الكبير، أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلَّفات والترجمات، وكانت أعماله تكرِّس دوما للتحرر والانفتاح الثقافي، مع الاعتزاز في الوقت ذاته بالموروثات الحضارية . ونظراً لدوره التنويري وأطروحاته التجديدية، وأفكاره الحديثية كان من الطبيعي أن يصطدم طه حسين بأصحاب العقول المتكلسة، الذين توقف فكرهم عن العالم عند نقطة معينة من الزمن يأبون أن يغادروها، وتعرضت العديد من مؤلفاته لهجمات ضارية من أصحاب تلك العقول الذين لجوا في خصومتهم معه إلى حد رفع الدعاوى القضائية ضده وخصوصا عندما ألف كتاب" في الشعر الجاهلي" الذي نال النصيب الأكبر من الهجوم إلى جانب كتب أخرى مثل" في الأدب الجاهلي" و" مستقبل الثقافة في مصر . كان طه حسين يرى أن التعليم يعتبر شرطا أساسيا من شروط نهوض المجتمعات ولذلك كانت دعوته الشهيرة ‘إلى جعل" التعليم كالماء والهواء" وكان من ضمن ماقاله في هذا الكتاب" مستقبل الثقافة في مصر" أن مستقبل الثقافة والتعليم في مصر مرتبط ارتباطا قويا بماضيها وحضارتها البعيدة، حيث لا يمكن فصل الثقافة المصرية القديمة عن مصر الحديثة، ولا فصل تاريخ مصر القديمة عن عصرنا الحديث، ولهذا علينا دراسة كل فترات تاريخنا دراسة متفحصة حتى يمكن الاستفادة منها في بناء المستقبل". ورأي في هذا الكتاب الفائق الأهمية أيضا أن الديمقراطية نظام ضروري لإصلاح التعليم، فكتب يقول: «يجب أن تضمن الديمقراطية للناس ما يقيم أودهم، ويعصمهم من عادية الجوع، ولكن يجب أن تضمن لهم بعد ذلك القدرة على أن يصلحوا أمرهم ويتجاوزوا ما يقيم الأود إلى ما يتيح الاستمتاع بما أباح الله للناس من لذة ونعيم الحياة». رحل عميد الادب العربي عن عالمنا يوم 28 اكتوبر 1973 أي بعد 22 يوما تقريبا من يوم العبور العظيم الذي استعادت به مصر كرامتها وكبرياءها وكانت مؤهلة بعد أن حررت الأرض أن تواصل انطلاقتها على طريق التنوير الذي رسم معالمه، ولكن الأمور لم تسر كما كان يتمنى وهبت على وادي النيل أمواج ظلامية عاتية عادت بالتعليم والفكر والثقافة خطوات كبيرة إلى الوراء



* المصدر:
أعلى