فاتن حمودي - أمجد ناصر وداعا سنبقى نقرؤك تحت أكثر من سماء

الصديق الشاعر الكاتب الروائي الإعلامي أمجد ناصر، تحت أكثر من سماء أيّها المحتفي بالمكان وشخوصه.. بالقصيدة ، وبهمٍ بلغ ذروته في الجسد، أمجد ناصر، هل نقول لقد تعب القلب، أم الرأس، وأن هذا العالم، وهذا المكان المتفجّر بالحروب والدم، وهذا المشهد جعلنا نتلمس كالعميان مآسينا التي وصلت بالوجع إلى أقصاه، والموت ينتشر في وضح النهار، دون أن يرّف لهذا العالم كل العالم جفن، فالحبل يحيط بعنقنا، أنت الذي وضعتنا في كتاباتك المتعددة الأجناس في حضرة الوعي بالمكان، وأمام جوهر إنسانيتنا وكأنك تنزع قشرة الإنسانية الرهيفة واقنعتها المتعددة، تشير مرة إلى الجمال ومرات إلى قسوة هذا العالم المتوحش، الذي يأخذنا إلى المرض والموت حتما، يأخذ من يملك حساسية تشبه حساسيتك ، وما أقبح المرض حين يصيب شاعرا مثلك..
.ايها المنصت لأصوات المكان.. أوجعك صوت الدم في بلادنا.... تقول: " هذه المرة وصلت مع غمرات الصباح الأولى ولم تكن عدن هي التي تبزغ كوردة ترابية هائلة بعد سلسلة من الجبال، بل كانت صنعاء"، وانت ترى اليوم ما حلّ بصنعاء وعدن من خراب، أنت من حكيت دمشق وقلت، دمشق الدار المسقية والدم الذي سال في شق"، ولأنك شاعر الأوقات العاصية، فقد تعبت باكرا جدا، في إحدى رحلاتك لدمشق تدخل الجامع الأموي وقد تسلمتك السكينة، ولم تنسَ ان تزور ضريح ابن عربي، وتنقل لنا الصوت لنعيش الحياة، التي يقتلها سفّاح هناك، حكيت عن سيرفيس الأوادم، عن نداء معاوني السائقين المتوجهين إلى منطقة شيخ محي الدين" صار النداء يعني الشيخ الأكبر، صاحب الفتوحات المكية وفصوص الحكم، وترجمان الأشواق"، تكتب كاشفا عن صلة الوصل بين دمشق والأندلس ، بين دمشق ومرسيه، وكأنك تقرأ مآلات الأمكنة وضوءها.
أمجد ناصر أتذكرك دائما حين اتيت إلى المجمع الثقافي بأبوظبي وقرأت قصائدك، وكانت إحداها عن القاص السوري جميل حتمل، كنت برفقة الشاعر نوري الجراح، وكانت أمسية حارة بالوجد، يومها شعرت أن جدار الغربة تكسّر، وأنني بدأت أحب المكان الذي صرت فيه، وكنت محظوظة بعدها بسنوات أن أشتغل بشركة إعلامية مع ابنتك يارا الصبية الفرس وسيدة الحضور، أمجد ناصر راعي العزلة، المحمّل بسؤال القدر والنهاية واللامعنى والمصير في ملاحم حقيقية كتبتها، أنت المعشّق برائحة البيت المحمّل بورد الطفولة ، أتذكر كتابك " الخروج من ليوا"، كيف شكّل مفتاحا لي وأنا أكتب " أبوظبي قصة بناء"، ونحن نقرأ ك تاخذنا نحو مشارف وقمم ملحمية.
وأنت الشاعر والكاتب الفلسطيني الأردنى، المنتمي للإنسان، ولمكان بات جحيما حقيقيا، قرأناك في القدس العربي، قرأنا مقالاتك وقصائدك التي تمثل الحداثة وقصيدة النثر، قلت "بيروت صغيرة بحجم راحة اليد"، وكانت يوميات ونصوص وتفاصيل حياة مرّرت بها أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت، ولأنك شاعر الحب فقد أخذت عناوينك الروائية روح الشعر،" هنا الوردة"، الصادرة عن دار الآداب عام 2016
وكأنك تسجل لحظة حياة لدونكيشوت العربي، وكان قبلها رواية " حيث لا تسقط الأمطار"، والتي جسدت فيها سيرة انسان مغترب، حيث الخيبة، الحب والفقدان، إنها تتويج السيرة سيرتك، فالحياة كما قلت، تمرّ " كسرد متقطع"، تمرّ بشعرية جارحة لا نستطيع إلا أن نعيشها، لأنها لحظة وجع مقيم، نحن " رعاة العزلة"،
عملك الشعري الذي يؤكد على معنى العزلة، حين تمسي وطن القصيدة، تشف اللغة بتفاصيل شاعر غريب يعرف كيف يصطاد اللحظة المحتدمة ببكاء الحب، أمجد ناصر أيها المزدهي بالقصيدة، وبذاكرة قرّاء سكنتهم كلماتك، " أنني ما نجوتُ من أملٍ حتى وقعتُ في غيره"
“ يدي التي رات كلَّ شيء"
كتمت رهبةً ذكرى انزلاقها
على استدارة الكون ،
انفاسي هي التي ، بطيشها
راحت تنشر اللهب"
أمجد ناصر نحن نقرأك تحت أكثر من سماء وداعا لقد طفح الحزن في البلاد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى