محمد المرزوقي - متهم بالقراءة..

أذكُر عندما كنت طالباً في المدرسة الإعدادية، تمّ ضبطي متلبساً بقراءة أحد دواوين الشاعر أمل دنقل، وإحالتي إلى التحقيق الفوري.

وبعد مشاوراتٍ ومفاوضاتٍ، أخبروني بجريمتي الشّنيعة، التي أشكر الله أنّها لم تنتقل إلى مخافر الشرطة. كان السبب هو حيازة كتاب يشجّع على الرّذيلة!

وأذكر أيضًا، عندما أصبحت بعد ذلك طالبًا في الجامعة، أنّني كثيراً ما قضيت إجازة الصيف في التنقل برًا ــ مع الأصدقاء ــ بين دول الخليج، وكنت أشحن معي كمية من الكتب، أستعين بقراءتها على وعثاء السّفر، وفي إحدى المرات، وفي إحدى الدول، تم إخضاعي للتفتيش الدقيق، بعد أن اكتشف موظف الجمارك أن غلاف أحد الكتب ــ كان مجموعة قصصية للأديب محمد المر ــ تظهر عليه صورة امرأة متبرجة!

ويحضرني هنا موقف حدث مع كاتب عربي، ذكرته الصحافية سلوى اللوباني في كتابها «أنت تفكّر، إذًا أنت كافر»، حيث كان عائداً إلى بلده، ومعه بعض كتبه فصودرت، وكان عليه مراجعة وزارة الاعلام ليكتشف عند ذهابه أن الرقيب لم يكن سوى أحد تلامذته ويعرفه جيدًا، ولا علاقة لهذا الرقيب بأدب ولا بكتب ولا بثقافة!

لابد هنا من التوقف عند نقطة جديرة بالاهتمام، هي تلك الوصاية/الاستحواذ، التي يفرضها الرقيب العربي ــ أو الرقباء، لأنهم كثر ــ على الكتب، من دون أن يتركوا للجميع حرية اختيار ما يرغبون في قراءته!

هذه الوصاية أدت إلى إحداث خلل كبير في المشهد الثقافي العربي، يتضح جلياً في ظاهرة تقييد حرية الكتاب والمثقفين والمبدعين، فأدونيس ما انفكّ يعلن «أنني لا أجرؤ، حتى الآن، أن أقول شعريا في قصيدة تنشر ما أقوله بيني وبين نفسي»، وغادة السمان تقول «في حياة كل كاتب روايات كان يرغب في كتابتها، ولم يجرؤ في حينها أو لم يقدر». لا إبداع من دون حرية واعية مسؤولة، فالإبداع كما يقول جبرا إبراهيم جبرا «لا يأتلف مع الخوف»، فإن أنت كلما كتبت عبارة خفت، وفكرت في شطبها، فإن كتابتك لا تستحق أن تقرأ.

لذلك يجب ألا نستغرب ــ كنتيجة لهذه الرقابة، وهذا الاستحواذ على حرية القراء ــ قلة الكتب الجيدة في المكتبة العربية، في مقابل أكوام الكتب الرديئة التي تقذفها المطابع سنويا في كل مجالات التخلف، بدءا من الكتب الطائفية، مرورا بكتب الشعوذة، وليس انتهاء بكتب تفسير الأوهام!

جربوا ــ كمثال ــ أن تكتبوا في «غوغل» كلمة «كتاب»، لتتعرفوا إلى أكثر الكتب العربية بحثًا عنها في محرك البحث الشهير، سترون بأم أعينكم ــ وقريباتها ــ كتاب «شمس المعارف» (كتاب سحر)، يتربع على رأس القائمة، ثم كتاب «لا تحزن» (كتاب مسروق)، وكتاب ماغي فرح (كتاب أبراج)، وأخيراً كتاب تفسير الأحلام الكبير!

إننا بحاجة إلى فتح الباب للكتاب المختلف، حتى يتسع أفق القارئ، ولا يظل على رؤيته للون واحد ــ كالذي يراه في «غوغل» ــ بينما في العالم ألوان أخرى!


محمد المرزوقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى