نزار حسين راشد - قادمة من مدينة أخرى

جئتِ حاملة أسرارك الصغيرة في حقيبة يدك، مسافرة صغيرة قادمة من مدينة أخرى، وفي رأسك أفكار غامضة حول عالمك الجديد، صامتة وخجولة ومشدودة إلى مقعدك، ولم تلبثي حتى استجمعت ثقتك ، وتردّدت أنفاسك منتظمة في فضاء الغرفة الدافيء، لم أدرك حينها لِمَ كنت مشدوداً لمتابعة تفاصيلك الدقيقة، صديقي البليد الذي أُلحقوكٍ بإدارته، بقي مطرقاً وهو يوجّه إليك أسألته العابرة ، وبعكسي أنا، لم يتنسّم في حضورك عبير الجِدّة، ولم يُثر فيه حضورك الزائر شيئاً، حتى ولا حتى بدافع الفضول، ولكنه صحا فيما بعد، على تلك العلاقة النامية بيني وبينك، وأقسم لي بالله العظيم أنه يعرف أني أحبك، وطلبتُ إليه بصرامة أن يخرس وألا يذكر من ذلك شيئاً ولا حتى أمام نفسه، وبالفعل امتثل للأمر، ففي داخله يكنّ لي شعوراً بالإكبار، ينهاه عن مخالفة أمري،تحت أي ظرف من الظروف.

لا أعرف كيف حدث أن فتحتِ لي نافذة أطلُّ منها على مزارات قلبك، على تفاصيلك الجميلة، ومن يومها تغيّر لون عينيك، لون فستانك، تغير العالم وتغيّرت صورتك في عيني، صار للصباحات قداستها وطقوسها، ودرجة إضاءاتها المريحة!

لا أدري كيف افتتحنا كتاب الحب، كيف وضعنا له عنواناً، وكيف كتبنا أول سطرٍ فيه؟

أصبح للعالم شرفات، نطلُّ منها على الوجود، ونتبادل عبرها الإيماءات والكلمات!

ربما لا أذكر أول فنجان قهوة ولم أسجّل تاريخاً، أو أحتفظ بمدونة للأحداث، كنت مستسلماً لهذا التيار الذي أخذنا معاً على حين غرّة، وحمَلَنا على صفحته دون أن ندري إلى أين سيلقي بنا!

أصغيتُ لحكايتك، يوماً بعد يومٍ بعد يوم، فتحتِ لي كتاب حياتك، فحلّقتُ بجناحيها ذارعاً أقواس سمائك الزرقاء، رحلة تبدأ من عندك وتنتهي بين يديك، صرتِ شهرزاد الحكاية، وأنا أميرُكِ المستسلم لمتعة الإصغاء، تاركاً حكاياتك الجميلة تُعرّش على قلبي كاللبلاب. وهكذا شربتُ كأس حبّك رشفةً رشفة، ولم أصحُ من نشوتي أبداً!

وهكذا دخلنا في بعدنا الخاص، نفقنا السري، الذي يفتح على جنّتنا الصغيرة!

اعترافاتك الصغيرة، مصدر فرحي الكبير، لقد دخلنا في التجربة، صار الكلام اكتشافاً، مغامرة ، امتحاناً لإمكانياتنا الخبيئة، معرفة تكسر الحدود وتقفز بخفّةٍ فوق وهم الحواجز، وتتحدّى بلادة الأعراف، مرآة نتعرف فيها إلى الذات، فنضحك وندهش، حتى نكاد نبكي!

نكاد نقول لبعضنا كل شيء، سقطت حواجز الحذر وانهارت أسواره لا بل تلاشت!

للُّغة معانيها الجديدة، وللصمت دلالاته العميقة، الصمت إقرار، إمضاءٌ على بياض، إيماءة أننا فهمنا كلّ شيء ، وأن هذا الفهم جواز سفرنا للحياة، معبرنا لعالمنا الجديد المضيء!

لقد نجحنا ُفي التجربة، وشيدنا قصورنا فوق الخراب، وملأنا العالم بالمعاني، وزيّنّا الفراغ بالألوان والأزهار!

خارج بيضتنا الصغيرة كان العالم لئيماً ومُملّاً، وفي الحقيقة كنا نهرب منه بهلع من يخاف العودة إلى سجن الرتابة المريع،

كنا نقيم حفاواتنا بلا رقيب، ونطلق سهام البهجة المنيرة، في سماء داكنة ونرقص في فرح، ونجترح الإنتظار، لنحضن صباحاتنا الواعدة من جديد!

أين أنت الآن؟ أعرف أنك دائماً على مقربة، وأنك لن تجترحي خطيئة البعد أبداً، فليس للرجوع من طريق لنسلكه، وسوف نحمل خطواتتا ونكمل الرحلة لغايتها الأخيرة، التي لا ندري كيف ستكون!

نزار حسين راشد
  • Like
التفاعلات: خيرة جليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى