هدية حسين - أنا بخير على طريقتي الخاصة

أنا لا أخذلك أبداً، نبرة صوتي تقول لك بأنني سعيدة، ضحكتي المجلجلة تخبرك بأن صحتي على ما يرام، وأنني أنام ملأ جفوني وأرى أحلاماً هانئة، ملابسي كما تراها في الصور بألوان زاهية، لأنني أرى أن لا علاقة للألوان بعدد سنين العمر أو بما يعترض الإنسان من اضطرابات نفسية، لذلك فأنا أختار من الألوان ما أشاء لإشاعة البهجة وتحسين المزاج.
أضع القبعة على رأسي وأترك خصلاً من شعري تتناهبها الرياح، وأمضي الى المتنزه كأنني ذاهبة الى موعد غرامي، أقف بكل ثقة راسمة الابتسامة على شفتي.. وبلمسة سريعة وتكة هامسة تحتفظ شاشة تلفوني بمواسم الفرح الذي يكاد يخرج من وراء إطار الشاشة، ثم أرسلها لك، لتصلك في ثانية واحدة.
لقد أتقنتُ فن ارتداء الأقنعة لكي لا أخذلك، أنا التي حين أقول لك أحبك، أعني بالضبط أنني أحبك من دون أوجاع، أخبىء ملايين الآهات في صدري حين أقول أحبك، أتواطأ مع شفتيّ قبل أن تخرج الكلمات وتصل مسامعك، وقبل التقاط الصور أمتلىء بالبهجة.. وبعدها تهرب الابتسامة ولم أستطع اللحاق بها، تحلق بعيداً، مثل طائر قرر الهجرة من دون أن تراوده أية شكوك بعدم العودة.
أعيد وضع القناع مثبتة إياه على ملامحي لكي لا تكشفني رنات ضحكاتي المجلجلة التي تخرج من القلب ضاربة عرض جداره بما يشعر به.. بينما قلبي المسكين يسمعها ويردد بينه وبيني: يا رب اجعلها ضحكة خير، لأنه مثلي لا يريد أن يخذلك،
أبلع نصف الكلام، وأختار من الكلمات أرقها حين أكلمك في التلفون لكي لا تتوجع، ولكي لا تتيه.. أنا التائهة التي ارتدت ثياب غربتها تحت بهرج الثياب المخصصة للصور فقط، أنا القشة التي لم تقصم ظهر الأيام لتستقيم معها، فحملتها الريح الى المدن النائية، ولم يكن أمامها الا الصبر وإتقان وضع الأقنعة على وجهها لكي لا تخدش مشاعر القلوب على الطرف الآخر من الأرض.
أكتب كل يوم، أكتب أشياء تخرج من القلب، وأشياء تهوّم مثل عواصف تحمل رمالاً لتلقيها في أي أرض تشاء، أكتب لأن ليس لي الا الكتابة، أدعوك من خلالها الى موعد ما كان لنا فيه نصيب، واستعادة حكايات تركت صداها في الطرق البعيدة فلم نعد نمسك بها، في الكتابة أرسمك كما يشاء قلبي، أزيح سنوات الفراق وأكداس العذابات، وألتقيك على الورق، تماماً كما أنت المرسوم المؤبّد في ذاكرتي مثل أحلام الفراشات.
قالت إحدى صديقاتي يوماً: إياكِ والكتابة، فالرجال يخافون المرأة الكاتبة، قلتً لها: بالتأكيد هم على خطأ، وعليهم أن يجربوا كيف تكون أوقاتهم بصحبتها، فالمرأة الكاتبة باستطاعتها تحويل الأرض اليباب الى واحات لشفاء القلوب، والنفوس التعبانة الى ورود تزين وجه الطبيعة.. وبالأمس عثرت على نص مترجم، وعجزت في البحث عن كاتبه، قرأته مرات ومرات، وشكرت كاتبه المجهول الذي قدّم دعوته وذهب للنسيان ليبقينا في دائرة التذكّر:
( أخرجْ في موعد مع فتاة تحب الكتابة
ستكون بطلها، وستكون مصدر وحيها
وستكون معها أكبر من الحياة
وما ستكتبه عنك سيكون أبدياً
سيعيش أكثر منك
ستكتب لك قصائد حب
وستشاكسك بكتابتها
ستغريك بها
ستستخدم الكلمات لتدخل بها الى عقلك
لتجعل عالمك يدور
ويشكّل فرقة موسيقية حول قلبك
أخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة
سيكون حبها كبيراً
وسيراه الناس في قصائدها وتأملاتها
وعندما تكون غاضبة قلمها سيخبرك
وستعذبك بكلماتها
ولكن عندما تكون واقعة في حبك
بعمق وبجنون
سوف تغزل كلماتها حولك كالعباءة
تحميك من البرد
وعندما تكون في مزاج جيد
سوف تغريك، وتجعلك مثيراً بكلماتها
وستقودك للجنون
أخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة
لأنها لا تصبح مملة أبداً
ولأنها سوف تحبك في كل المواسم )
أدرك تماماً أنْ ليس لطريقي وصول.. بحري لا شواطىء له ولا موانىء، ولا سفن، ولا ربان، ولا بوصلة.. ولا.. ولا.. لكنني لا أعدم الوسائل بالوصول إليك، عبر الكتابة، إنها تقربني منك حد أن أمسك قلبي لأتحسس وجودك فيه.. وصوتك يأتيني مخترقاً كل المعوقات فيسقط علي مسامعي مثل ندى الصباحات الربيعية.
إنني عبر هذا النص أوجه لك الدعوة، مستنطقة كل ما جاء فيه، لكي تخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة، لأنها ستحرك الساكن في نهر حياتك، ولأنها بالكتابة سترسّخك، وتشاكسك، وتجعل منك بطلاً في زمن ضاعت فيه بطولات الحب الكبيرة.. وتكتبك على أوراقها وتراك في أحلامها ولن تخذلك أبداً.
أخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة حتى لو لم تكن أنا.. لأنها ببساطة ستحبك في كل المواسم، وتذكّرك بي كلما التقيتما في موعد، أما أنا فسأبقى دائماً بخير على طريقتي الخاصة، أحلم بك، وأكتبك على الورق، وأذهب الى المتنزه، مرتدية ما يبهج من الألوان كأنني سألتقيك، أمتلك ضحكتي الرائقة وأرسم الفرح على وجهي وأرسله لك في صور تقول لك إنني بخير.

* عن الناقد العراقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى