عادل الأسطة - أنا والجامعة -5-

بدأت التدريس في الفصل الدراسي الأول من العام ١٩٨٢ ، وقعت العقد في ٩ /١٠ /١٩٨٢ وبدأت أحاضر في ١٦ /١٠ /١٩٨٢ ، بعد أن قدمت استقالتي من وظيفتي في مدارس الأونروا .
في تلك السنوات كان عدد المحاضرين قليلا وكانت المساقات كثيرة ، ولم يكن ثمة مدرجات في الجامعة لتعطى فيها محاضرات فتسهم في اختصار عدد الشعب في بعض المساقات ، وكان ذلك ميزة سوف تفتقد لاحقا وسوف أتوقف فيما بعد أمام إحدى الكوارث في التعليم الجامعي وهي التدريس في المدرجات .
عهد إلى في الأعوام التدريسية الأولى ، بسبب النقص في الكادر التعليمي وأعضاء هيأة التدريس المتخصصين ، بتدريس المساقات التي تطرح وليس لها أستاذ متخصص يدرسها ، وهكذا درست مساقات تاريخ النقد الأدبي عند العرب وأدب مصر والشام والشعر العباسي والنثر العباسي والعروض ومساقات اللغة العربية والمدخل إلى تذوق النص الأدبي والأدب الفلسطيني ، وكان علي أمام هذا أن أحضر للمحاضرات وأن أثقف نفسي ، وكانت هذه فرصة ذهبية لي لإعادة بناء ثقافتي في الأدب العربي . ( أحيانا كنت أمزح قائلا : أنا خمسة دكاترة معا ، فقد شغلت فراغ خمسة من حملة الدكتوراه يوم أبعدوا ، وأحيانا كنت أسخر من نفسي : أنا من حراس الفراغ ، علما بأنني لم أقل عن الخمسة كفاءة ، وكان أكثرهم قبل تعيينهم في الجامعة معلمي مدارس وليس أسوأ من مدرس أنفق في التعليم ٢٠ عاما ثم صار محاضرا في جامعة ) .
هناك مقولة تتكرر على ألسنة الدارسين وهي أن الأستاذ إذا أراد إتقان علم فليدرسه ، وهذا ما حدث معي .
أتقنت النحو من خلال تدريس قواعد اللغة العربية خمس سنوات في المدارس ، واطلعت اطلاعا جيدا على الأدب العربي في العصر العباسي والعصر الوسيط من خلال تدريس المساقات التي تخص العصرين ، وساعدني في ذلك أنني كنت كريما في اقتناء الكتب ، فلم أعد إلى مكتبة الجامعة للاستعارة منها إلا في حالة عدم توفر الكتاب في المكتبات التجارية ، وفوق ما سبق أنني كنت أملك شقة مستقلة وكنت أعزب .
في التدريس في الجامعة شعرت بحالة من السعادة لا توصف ، وكنت أنفق في الجامعة سبع ساعات وأكثر ، وأحيانا بعد انتهاء المحاضرات كنت أتمشى ، مع بعض زملائي من أقسام أخرى ، في الساحة ولم نكن نستعجل المغادرة . كان عدد الموظفين في الجامعة محدودا تقريبا فكنا نعرف بعضنا كما لو أننا أفراد أسرة واحدة ، وغالبا ما كنا نلتقي بداية كل شهر أمام مكتب محاسب الجامعة لاستلام رواتبنا بمغلفات أعدت ووضع فيها مرتبنا الشهري ، وكان هذا يقود إلى تبادل التحيات والمزاح والأحاديث الجانبية ، عدا أن يوم استلام الراتب كان يوم فرح جامعي ويوم لقاء أسري .
كنت أدرس مواد إضافية مثلي مثل جميع أعضاء هيأة التدريس في القسم ، وهذه آفة سوف أعود إليها لاحقا للتوقف أمام ضررها ، بل وكنت أحيانا أدرس تدريسا مجانيا لطلاب التوجيهي .
كانت نقابة العاملين في الجامعة وبعض الفصائل تتابع إجراءات الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة في إغلاق بعض المدارس الثانوية نتيجة تظاهر طلابها واشتباكهم مع دوريات جنود الجيش الإسرائيلي المحتل ، ولما كان طلاب التوجيهي يتضررون من الإغلاق فقد افتتحت لهم شعب تدريسية عصرا في قاعات التدريس في الجامعة وتبرع الأساتذة بتدريسهم ، ما جعلني أحيانا أنفق في الجامغة ساعات إضافية ، وكنت أفعل ذلك بإقبال شديد وبرغبة وبلا تذمر ، فقد كان العمل التطوعي شائعا في سبعينيات القرن العشرين وكان ينظر إليه نظرة إيجابية ، إذ عد شكلا من أشكال مقارعة الاحتلال ومقاومته .
في تلك السنوات تضاعفت قراءتي فقد وجب علي التحضير بالإضافة إلى عملي محررا أدبيا في جريدة " الشعب " .
كنت في الحلقة الرابعة أشرت إلى سؤالي إن كنت شيوعيا أو لا ، فهل انعكس هذا على عملي في الوظيفة. هذا ما سأكتب عنه في الحلقة القادمة.


١ تشرين الثاني ٢٠١٩

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى