احمد خلف - لا طفـلٌ يُهملُ بعـد الآن.. قصة قصيرة

قالت الفتاة ذات الصوت الرخيم:
ـــ مام سوف أذهب مع صديقاتي الى المول . هل توافقين؟
ـــــ اذهبي يا روح مام ، احذري من الطريق ، فهو ليس آمناً .
== == ==
حين أطلقت عائلة جون كنيدي شعارها المعروف ( لا طفلٌ يُهملُ بعد الآن ) على لسان تيـد كنيدي شقيق جون كنيدي الرئيس الأمريكي المنتخب في ستينيات القرن العشرين . كان آل بوش يرفعون عام 2001 شعار الحرب على الارهاب، وقد بدأوا بغزو أفغانستان ثم يليه احتلال العراق ، وقد باء الشعار الاول بنكسات ملحوظة ولم ينل من تحقيق الأمنيات إلا النزر اليسير .. في ايام ستينيات القرن الماضي أُتُهم الرئيس جون كنيدي شقيق تيد كنيدي بعلاقة غير مسموح لها ان تدوم طويلا بالممثلة الشهيرة مارلين مونرو ، ولم نكن نعلم من أمر مارلين مونرو شيئاً صريحاً ، أعني نحن عشاقها آنذاك من الطلبة المفلسين ، كنا عادة نتجمّع في ساحة المدرسة او في زواياها ومنعطفاتها ونتبادل صور أشهر الممثلات، بل اكثرهن جمالاً وإثارةً وكانت مارلين في تلك السنوات الستينية في قمة فتوتها وحسن جمالها الأخّاذ . وكان هناك مَن يتجرأ من الطلبة على أخذها معه الى مخدعه ليقوم بما يمليه عليه عقله وخياله , وليس الأمر مقتصراً على مارلين وحدها في حيازتها من قبل الطلبة، بل كانت كوكبة من الفاتنات الجميلات: كيم نوفاك وبرجيت باردو وآفا كاردنر وادري هابيرون وصوفيا لورين وغيرهن ، والحق يقال عادة لم نكن نسمح للواحدة منهن ان تعقد صداقة حب او علاقة جنسية مع أي رجل حتى لو كان رئيس الولايات المتحدة الامريكية، وكانت مارلين مونرو قد اسقطها عشرة طلبة من الصفوف المنتهية في غرامهم وكنت واحداً منهم اوقعناها في علاقات غرامية صاخبة معنا، وكان منا مَن هو مولع بغرامه للفاتنات الجميلات كمجبل ابن الحمرة الذي ابتعت منه ثلاث صور لممثلات مصرية وفرنسية واخرى امريكية ، فكيف لها ان تنتقي جون كنيدي بدلا منا ؟ وكان الولد المجنون مجبل ابن الحمرة ( هذا هو لقبه وليس اسمه الحقيقي ) يجمع عشرات الصور لممثلات ومغنيات وراقصات شرقيات وغربيات وقد جعل من جمع الصور مهنة خاصة به يبيع الصورة الواحدة بعشرة فلوس ، وكنا نشتري منه نحن الطلبة المهاليس ابناء الفقراء. والغريب ان مجبل ظل يحتفظ بصورة مدهشة لمارلين مونرو في احد كتبه معزولة عن بقية الصور التي ينتقيها للبيع وكان يصرُّ على عدم بيع تلك الصورة المدهشة لمارلين مونرو ، اما جورج بوش الأبن فقد كتب كتابا عن سنوات رئاسته والحرب على افغانستان واحتلال العراق , ( قرارات مصيرية ) . وفيه حديث مسهب عن لورا زوجته التي لا يكف عن حشرها في الصغيرة والكبيرة ، وحين سأل الرئيس بوش الجنرال تومي فرانكس قائد القوات الامريكية في افغانستان والعراق: انه كان زميلا لزوجته لورا في المرحلة الاعدادية؟ أجابه الجنرال : ــــ لكن لا تقلق سيدي الرئيس لم أكن رفيقها أبداً .
مما فجّر الضحك بينهما بوجود لورا طبعا .
تلك الاثناء فوجئت بالهاتف الصغير يرن في غرفتي , ولما فتحت الخط , جاءني الصوت متهكماً :
ــ ما الذي يفعله السيد كاتب القصص الآن ؟
ـــــ لا شيء سوى القراءة .
لم تكن نبرة الصوت غريبة عليَّ ، فقد تواردت الى سمعي من قبل نبرة كهذه ولكن متى وأين ؟ ينبغي شحذ الذاكرة لكي استعيدها. بدت نبرة لعوب ولها مقدرة التلون وتبديل المسار من وإلى ، بذلت جهداً كبيراً في ان استعيد ولو نأمة مما عرفته عن صاحبة الصوت ، لكن من دون جدوى !
مرة اخرى :
ــ ما اسم الكتاب الذي بين يدي كاتبنا؟
ــــ مذكرات جورج بوش الأبن .
ــ آه ، قرارات مصيرية ؟ أليس كذلك ؟
ــــ نعم ، هو الكتاب عينه .
ــ لا تصدق كل ما جاء في صفحاته ستراه يغصّ بالذرائع والتلفيق.
كثيرة المرات التي يصادفني بها عارض غير متوقع خلال العمل على كتابة قصة او مقال , كأن يدس احدهم أنفه بالمصادفة المزعجة لينهي مشروع كتابة القصة او المقال.
تُرى ما الذي ترمي اليه صاحبة الصوت الماكر ؟
ـــ لم أنتهِ من قراءة الكتاب بعد ، لذا من الصعب ان أصدر أحكاماً قطعية بشأنه!!
ــ لكنكِ تستطيع التأكد من ذلك بنفسك .
ـــــ لا أستطيع ما لم انتهِ من قراءته .
ــ يمكنك ان تعرف انها كلها خصومة شخصية.
كنت أتصفّح كتاب بوش الأبن بنوع من الاهتمام ، مضت فترة ليست بالقصيرة لم اقرأ خلالها كتاباً على غراره ، فقد وجدته في بعض الصفحات جاداً جداً وتغلب عليه صفة الإصرار على إنجاز الأعمال المصيرية ( الحرب مثلا ) اما البعض الآخر من صفحاته فقد كان فيها بوش الأبن مجرد رجل مهموم بتبرير الحرب على مَن أسماهم دول الشر , ولم تكن التسميات الجاهزة تعنيني كثيرا لان التسمية هذه يمكن ان تشمل دولا اخرى اذا شاء ان يزيد العدد ما دام قد أُنتُخب رئيسا جديدا وبيده الحل والعقد ولا ينكر درجة الصدق في الكتاب عندما يتعرض المؤلف الى مناحي بيتية او أسرية او شخصية فهو لا يتوانى من قول الصدق عن جدارة ، لكن ما تجنب بوش ذكره في كتابه المهم , ما حصل بين جون كنيدي والممثلة الشهيرة مارلين مونرو في تلك السنوات ، وهو غير معني بهذا الامر تماماً ، ولكنني أردت إثراء قصتي هذه بما أعرفه عن كنيدي ومونرو وما لا يتذكره بوش ( ربما ) عنهما معاً. كنيدي كان رجلا عاطفيا خلاف شخصية بوش الأبن فقد كان الاخير صارما وقاسيا جدا . أليس كذلك يا جورج ؟
حين شاهدها اول مرة في حفل خاص لكبار الشخصيات البارزة في المجتمع الامريكي ، في الحقيقة كان رأسه مشغولا بأزمة جزيرة الخنازير وجنون فيديل كاسترو في تدمير الدكتاتوريات في دول امريكا اللاتينية ، ومع هذا تقدم كنيدي بطريقة مهذبة ووقف امام الفاتنة مارلين مونرو بكل جنتلمانية صادقة : آه انا سعيد حقاً بوجود الجمال الامريكي الباهر سيدة مونرو .
قالت مونرو : آه ، انا لست سعيدة بوجود رأس الحكومة هنا .
انفجر الحضور القريب منهما بالضحك المدوي لم تكن جاكلين كنيدي من بين الحاضرين فقد طلبت من زوجها الاعتذار عن الحضور لانشغالها في احتفال لإحدى الجمعيات الخيرية المسمات "لا طفلٌ يُهملُ بعد الآن " وعلى عادتها المعروفة للجميع , ارتدت جاكلين أجمل ما يناسب الاحتفال الخيري بحيث بدت تستحق لقب جاكي الذي يناديها به زوجها ، جاكي ، وهي تسمية تروق لكاتب القصص استخدامها في نصوصه لأنها ستزيد الشحنة العاطفية مقداراً معقولاً من التشويق الضروري للقصص التي تكتب عن الملوك والسلاطين لا القصص التي أوصى بكتابتها الانكليزي الاصل هنري جيمس ) خمسة ملايين طريقة لكتابة قصة واحدة ) بل على طريقة بول اوستر مجنون الميتا سرد كل شيء يمكن ان يتهدم بين أيدينا ولكننا مجبولون على البناء ثانية . ستكون الحكايات متداخلة من دون أن نصاب بالملل من ثرثرة الحكواتي الذي لا يملُّ من سرد القصص الملفقة علينا . بالطبع لا اقصد القصص ذات البعد الرومانسي الذي يجذب بعباراته المنمقة الرؤساء والمسؤولين بحسن البيان واللغة الرشيقة، لا أعني هذا النمط من الكتابات قط ، انما ما أعنية تلك القصص التي نجد أنفسنا فيها كأننا نحن صُنّاعها .
ارتدت جاكي اجمل ما تظنه سيحول انظار جمهور الحفل اليها ولو شاهدها كنيدي في آخر لحظة اتمت فيها زينتها لانبهر بها تماماً ولن يتقدم من مارلين مونرو في تلك اللحظة التي استطاع ان يجعل مارلين تميل اليه كثيرا واقترحت عليه ان يحدد لها موعدا غراميا خاصا فهي تهتم به وتميل لشخصه الجذاب ، وطلبت منه ان يكون اللقاء خاصا وسريا جدا، ذلك الموعد الغرامي هو الذي سيحدد مصير كنيدي تماماً . وقد اشارت اليه بعض الكتب ولم يذكره جورج بوش الأبن في كتابه حين تحدث عن لقائه بتيد كنيدي شقيق جون في لقاء خاص بينهما مع زوجتيهما حول مشروع آل كنيدي ( لا طفلٌ يُهملُ بعد الآن ) وهذا ما أثار انتباهي حقا ! اعرف ان كنيدي كان عاطفيا جدا وقد أبهرته مارلين في حفلة العشاء تلك والتي أُقيمت على شرفه في واشنطن ، الا ان تكهنات كثيرة اشارت انهما ومن ذلك اليوم اصبحا عاشقين لا يستطيع الواحد منهما التخلي عن الآخر ، فقد تمكنا من تحديد اللقاء الثاني في منزل بعيد عن اعين الفضوليين الذين يمكن ان يجعلوا من سيرة الرئيس على كل لسان حتى ان التصنت على الفيلا أثبت بأن الرئيس كينيدي كان يعاني من فكرة الطلاق من جاكي والزواج من مارلين مونرو التي كانت تطلب منه الزواج حتى لو ترك البيت الأبيض وحتى لو كلفه كل شيء وترك الرئاسة وكانت مستعدة بأن تترك التمثيل والفن وأن تمضي حياتها معه خارج الزمن . والحق لم تكن جاكي اقلّ جمالا من مارلين وان كان لها الكثير من الهفوات الانتقامية من زوجها , ولقد ذكرت بعض الصحف والدساتير المعلنة على الملأ : انها أقامت اكثر من علاقة سرية مع اشخاص معروفين وغمزت بعض المطبوعات محدودة الانتشار الى وجود علاقة انتقامية عملتها جاكي مع تيد كنيدي عندما كان الأخير في العشرين من عمره. وتيد هو صاحب مشروع (لا طفلٌ يهملُ بعد الآن) يمكن لنا تجاوزعشاق جاكي لأنها ليست هي القضية التي نرمي اليها ونحن نعلم ان: النفس أمّارةٌ بالسوء ...... والعبارة تعنيني لا تعني جون كنيدي الذي تعلّق قلبه بأمرأتين مدهشتي الجمال ، فكيف اذا صرع الواحد منا حب من هذا النوع وعلى شاكلة التعويض عن خسارات معروفة لنا هنا نحن ابناء شرق الارض , لا شك ان صراعا دراميا سينشب بين اضلعنا وسيمتلئ القلب بمزيد من التساؤلات عن من سنختار ومن يريد القلب ان يصطفي ، انا شخصيا لم اقع بحبٍ من هذا النوع وما عرفت لوعة الملتاع ولا مرت بي نار الوجد تلك النار الحامية التي خصّها الشعراء بفيضٍ من القصائد منذ امرئ القيس وجميل بثينة حتى اليوم حيث قصائد نزار قباني تُغنى الآن بأجمل الاصوات وهي تتحدث عن لحظة الصراع بين الحبيب وبين المحب . غير اني وجدت جورج بوش قد تعلّق قلبه بلورا اكثر من كنيدي وحبه لجاكلين ولكن الحب أعمى كما يقال عندنا هنا في ارض الشرق ( الطاهرة المقدسة !! ) ، بل قل اني استنتجت ان آل بوش اكثر حبا وحرصا على زوجاتهم من آل كنيدي الذين شابت الشوائب سمعتهم بلا رحمة . كان عليه ان يحسم أمر جزيرة الخنازير والا يعرّض كرامة البلاد الى الاساءة امام العالم الذي بدأ يحسب لبلاده حسابا , ومع هذا لم يستطع التخلص من حضور جمال مارلين مونرو المهيمن على قلبه الرقيق ( ..... بعد بضع دقائق بدأ المزاج بالتحول ، قال لي اطفائي : ان مركزه فقد عدداً من الرجال حاولت ان أهدئ باله ولكن هذا لم يكن ما يريد , نظر في عينيّ مباشرة وقال : ياجورج ابحث عن هؤلاء الأوغاد الذين فعلوا هذا واقتلهم . نادرا ما ينادي الناس الرئيس بأسمه الصغير , ولكن لم يكن عندي مشكلة في هذه القضية , كانت المسألة شخصية .(203) كان اللقاء الثاني بطلب منها في أبعد بيت سريّ وفي جزيرة منعزلة ، لكن لا شيء يستمر بالتستر او الاختباء عن العين الساهرة , يالبؤس الرؤساء حين يظنون انهم يرتدون طاقية الإخفاء مع ان كنيدي لم يكن مهتما بمسألة الفضائح بسبب ما تركه حب مارلين في قلبه من وجد ومحبة . مارلين اغتيلت في عام 1962, وطبعا خضع موتها الى تكهنات الصحافة والشخصيات القريبة من القرار والتي يهمها سمعة الطبقة الحاكمة في امريكا , وقيل انها دفعت نفسها الى الموت أي هي التي انتحرت , ومهما يكن من نتيجة الموت او الانتحار فان غيابها الأبدي سبّب صدمة مروعة لعشاقها ومجبل (ابن الحمرة) احدهم , ولقد عاقبه معلم الرياضيات عندما شاهد صورتها بين دفتي الكتاب ، انبهر اول الامر ثم قطب حاجبيه وقال يخاطبه :
ــــــ صورة مَن هذه يا ولد ؟
ــ إنها مارلين مونرو يا أستاذ .
ــــــ وماذا تفعل لديك في كتاب الرياضيات؟
ثم أردف : ــــ هل أنت مجنون ؟
ــ كلا ،بل عاقل ، انها صديقتي استاذ .
عندئذ ضج الصف بالضحك المدوي . التفت المعلم الى ابن الحمرة وقال بصوت غاضب تماماً :
ــــــ هيا اترك الفصل يا معتوه ، هيا غادر مكانك .
ماتت مارلين مونرو ليبقى المتيم وحيدا يجر أذيال الخيبة حتى 1963 حيث لحق بها بعد عام من موتها , رحل كنيدي اغتيالا وليس موتاً عادياً .
تُرى ماذا يقال عادة عن أحداث من هذا النوع ؟ مع ان السؤال الذي يفرض نفسه علينا : هل تصلح هذه الافعال لتصبح جزءاً من قصة قصيرة تحت عنوان :
ــــ لا طفلٌ يُهملُ بعد الآن ؟
ــــ ولكن كم من الاطفال اهملوا من قبل نهاية 2016؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى