فلاح العيساوي - مجموعة قصص قصيرة جدا (١)

1- حور عين
جلس في بستان قصره العالي، تحت أفياء الأشجار المثمرة، بين حسان القدود، الأنهار تجري من تحته، يداعب غيداء كاعب، ويمرح مع هيفاء ناهد، ثيبا وأبكارا، أمامه كؤوس الخمر والعسل المصفى، الولدان المخلدون حوله كأنهم لؤلؤ منثور، شرب الخيال حتى الثمالة، صاح الله أكبر، وتفجر.

2- براءة
ينظرُ إلى أقرانه بعينِ الحزنِ، الفرحُ غادرَهُ منذُ إعاقتهِ.
يجلسُ أمامَ مجموعةٍ من الصّبيان يلعبون الكرةِ، شاهدَ ذلك الوحشَ يفجّرُ حِزامَهُ الناسف؛ فأسرع يركضُ برجليه نحوَ السماء.

3- ضجيج
تعالت الأصوات، لا أبصر سوى الدخان ونقع الأتربة، قبل دقائق كان دوي الانفجار هائلا، بالكاد أرى أشباح الأشياء مبعثرة، كالمجنون أبحث عنهم، يقفون أمامي يضحكون... والرجال يجمعون أجسادنا المتناثرة.

4- دنيا
اقتربَ من منطقةِ عبورِ الشارع.
شاهدَ نجلاءَ كاعباً، تقفُ وكأنّها شمسُ الضّحى.
سرقَ نظرةً خاطفةً، انبهرَ بجمالِها وأُغرِمَ بزرقةِ عينيْها. أحسّتْ بوجودِهِ قربَها؛ فاستعانتْ به لعبورِ الشّارع.

5- حبيب
اختنق بالدّموعِ المختلطةِ بنقعِ حفرةِ القبْر، ارتفعَ نحيبُهُ.
قبلَ أنْ يسقطَ...رفعوهُ خوفاً عليه.
مرْت شهورٌ...لم يرتدِ نظارتَه الطّبّية، صارَ يتعثّرُ بمشيتِهِ.
ــ أبي لمَّ لا ترتدِ نظارتَك؟.
ــ بُنيّ لا شيءَ يستحقُّ أنْ أراه.

6- رقيب
أراه يلوذُ بصمتِه، يركنُ إلى سريرِه، لا ينامُ الليلَ بطولِه...
دنوتُ منه، عانقتُه بحنان، قبلّتُه على وجنتهِ فانزلقت منه دمعة.
قلت: - بني أفتح لي قلبك؟.
- ماذا تريدُ معرفتَه؟.
- سببَ تغيّرِ أحوالِك وطولِ سهادِك؟.
- وهل ترى الوسنَ عينُ العاشق؟.

7- خضراء...
تلعبُ، تلهو، تضيع، لا تعرفُ اختيارَ الطّريق، يقطفُ ثمارَها الغرباءُ، يتدخّلُ في سبيلِ إنقاذِها، يرى اقترابَ الغرقِ، يصيحُ بها:
- هلمّي معي.
تصرخ، اتركني والطّوفان...فارَ التّنّور.

8- تقاليدٌ
خرجَتْ إلى الشارعِ، على عادتِها تمْرَحُ وتلْعَبُ مع مثيلاتِها، تَحمِلُ لعبتَها العروسةَ بين ذراعيها، ضحكَتْ؛ فارتعدتْ فرائصُها مِنَ الخوفِ.
أسرَعَتْ تجرُّ أذيالَها المصبوغةً بالدماءِ إلى أمِها التي تهلَّلَ وجهُها فَرحاً. عندما حضرَ أبوها، استقبلَتْه الأمُ بالبشرى، فأسرعَ يبحَثُ لها عن زوجٍ.

9- قدرٌ
بَدأَ الشكُّ يساورُها كثيراً، خروجُه بعدَ الضُحى وعودتُه قبلَ منتصفِ الليلِ خلافُ عادتِهِ المعروفَةِ، حجَجُهُ غيرُ مقنعَةٍ، قررَّتْ اكتشافَ سرِهِ، خَرَجَتْ خلفَهُ، تبعتْهُ خطوةً خطوة، وقفَتْ تنظرُ إليهِ ودموعُها تسيلُ على أسيليها.
هو يقفُ على الرصيفِ يعرضُ بضاعتَهُ المزجاةِ.

10- سرقة
فتحتْ بابَ الدّار، اقشعرّ جسدُها، زمجرتْ بوجهِه؛ اذهب ولا تفضحْنا، وضعَ قُبلةً خاطفةً على وجنتِها وذهبَ أدراجَهُ، بعد دقائقَ طرقَ البابَ مرّة أخرى، أسرعتْ وقالتْ قبلَ فتحِ الباب: لماذا رجعت؟... أنت تريدُ فضيحتنا!... فتحتْهُ؛ شاهدتْ أباها واقفاً والدّهشةُ بارزةً على محيّاه.



فلاح العيساوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى