عبد الحميد باحوص - كتاب إسماعيل

من الناس حين يبالغون في احتساء النبيذ يتحولون
الى كائنات تحار في وصفها ونعثها،وأن فعلت يبدو ذالك غير مجد ومحصلة لا تساوي شيئا. وتقول في نفسك هل لايزال هؤلاء الناس ينتمون إلى عالمنا الارضي بكل شفرات الواضحة وغير الواضحة.
تحار وتظل حيرتك محمومة لان فيلم الحياة يتكرر
لكن السيناريوهات مختلفة...
كنت جالسا في المقهى،في مساء صيفي من شهر
غشت حيث لم يطفئ بعد قيظه،والساعة أعلنت
عن السادسة والنصف وأنا احتسي قهوتي كالمعتاد
التي يكون صديقي العزيز فيها كتاب.
لا اعرف كيف ان شخصا فاجأني ووقف امامي وقال لي بدارجة ذكرتني بكيفية نطقها بشخص آخر كان يتجول في الازقة والحواري ينادي باحثا عن أشياء بالية
يبتاعها أو يستبدلها باواني منزلية جديدة:
"واحد السلام عليكم"
كنت مستغرقا في القراءة،مأخوذا في عالمي الخاص.
رفعت راسي وإذا به قد أخذ كرسيا وجلس قبالتي
ورائحة النبيذ التي تفوح منه قد غطت على كل روائح
المقهى،رددت عليه التحية:
- عليكم السلام ورحمة الله وتعالى وبركاته.الاخ الكريم.
هل تعرفني؟
- أعرفك ولا اعرفك.
- لم أفهم.من فضلك، وضح كلامك.
- أنا من رواد حانة الاصدقاء.الله يعفو عني من هذه البلية: شرب النبيذ.وفي كل مرة أغادر فيها الحانة أمر من أمام مقهى الوردة،اجدك بها تحتسي قهوتك وتقرأ كتابا ما،وهذا يسعدني ويفرحني،ولا علم لي من أين أتت هذه السعادة والفرحة!!؟؟
ولهذا فأنا اعرفك وفي الوقت نفسه لا اعرفك.
اقصد ليست لدي معرفة شخصية بك.وهذه
مناسبة لنصبح أصدقاء. هل لديك مانع؟؟
- لا مانع لدي.
- أنا كذالك كنت مثلك،أحب القراءة ولكن
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.مشاكل العمل
في الإدارة والأولاد ومشاغل الحياة جرتني الى أشياء أخرى.
اصارحك،لقد انحرفت الى هذا المسار السيء،كل يوم اشرب النبيذ وبإسراف.
- ليس من شيء مستحيل في الحياة.فقط يجب
أن تريد وتنضبط لما سوف تقدم عليه من سلوك جديد.
- أنت على حق.ما إسمك؟
- عبد الغفور.
- تشرفنا الاستاذ عبد الغفور.
- وانت ما اسمك؟
- إسماعيل.
- تشرفنا الاستاذ اسماعيل.الا زلت تذكر اسم كتاب من
الكتب التي قرأتها؟
- لازلت أذكر كتاب الأيام لطه فاطنة بنت الحسين.
- هل أنت متأكد من اسم الكاتب؟
- نعم متأكد.
- الاخ الكريم إسماعيل، أول خطوة أنصحك أن تبدأ
بها لتبتعد عن شرب النبيذ،التقليص منه بالتدريج.
عوض ان تشرب قنينة نبيذ كل يوم.اكتف بشرب كأس او كاسين الى ان يأتي اليوم الذي
تبتعد فيه كليا عن شرب النبيذ.واسم مؤلف كتاب الأيام الذي قرأته كما قلت لي منذ لحظة لمؤلفه
الكبير طه حسين وليست فاطنة بنت الحسين،فنانتنا الشعبية الرائعة. أتحب كذالك هذه الفنانة الشعبية فاطنة بنت الخسين؟
- نعم،احبها كثيرا.
- وانا كذالك احبها كثيرا.
غادرني صديقي الجديد إسماعيل وانا بقيت بالمقهى
حتى انتهي من احتساء قهوتي المسائية وقراءة بعض الصفحات من كتابي العزيز الذي أتيت به من المنزل،
و استرجع متاملا بعد ذالك ما دار بيني وبين إسماعيل من حوار وكلام لاجد أنه قد منحني كتابا يجب علي أن أقرأه واتعلم منه.
الكتب لا ما هو مسطور بين دفتيها،نقرأه ونستخلص
منه أشياء تفيدنا في حياتنا الخاصة والعامة، ولكن ما نتناوله بيننا شفاهيا،فقط يجب أن ننتبه إلى ما نقول من كلام متبادل لنفوز بلذة هذا المنجم الذي لا ينضب معينه من الكتب العجيبة بايجابياتها وسلبياتها.

عبد الحميد باحوص/كندا
  • Like
التفاعلات: خيرة جليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى