مقتطف مبارك وساط - "مقتطف من "وديعة"

(...)
كانت السيّارات التي تمرّ قريباً منها تبدو لها، حين تُحاذيها، كأنّها تسير بسرعة مفرطة جِدّاً. لذا فقد ابتعدَت أكثر من جهة الشارع واقتربت من صَفّ البيوت الممتدّ إلى يسارها. عرفتْ في قرارة نفسها أنّ سرعة السّيّارات في الشّارع لم تكن شديدة فِعلاً، لكنْ لِمَ كان شعورها عكسَ الواقع؟ قالت في نفسِها إنّ ذلك يعود إلى رعشة ما في أعماقها، غير محسوسة تماماً بالنّسبة إليها. وفي دخيلتها أقرّت :
«إنه خوفٌ ما، غامض، كامن لا يُفصِح عن نفسه، وكالمُصمَت، لكنّه يَسْري كسمّ لا يَقتل بقدر ما يُسَبّب ذهولاً غريباً، يُضفي على المرئيّات رماديّة تنبعثُ في الواقع من الرّوح. لكنّه خوفٌ من ماذا؟ (...)»
في الشارع، قريباً من المكان الذي بلغته زهور في سيرها، تريّثتْ سيّارة رماديّة من طراز بوجو 505، ومن نافذتها الجانبيّة أطلّ وجه مستطيل، "ممصوص" جنب زاويتي الشّفتين، ينطبع في وسطه شارب كثّ نافر الزّغب إلى الأعلى. وافترّتْ شفتا هذا الوجه الذي باغت زهور بانبثاقه من السّيّارة، والذي نزلت عليه حزمة ضوء من مصباح عمود الكهرباء، كأنّما لتبرز لزهور ملامحه بجلاء. وانبجستْ من بين الشّفتين المفترَّتين عبارة متلجلجة قليلاً: «واشْ ما خاصّك منْ يِوَنّسَكْ آلغْزال؟» (ألا تحتاجين مَنْ يُؤنِسك يا غزال؟». وتفاجأتْ زهور نفسُها بقهقهة تَنِدُّ عنها إثْرَ سماعها ما قال ذو الوجه المستطيل. لمْ تَدْرِ لِمَ قهقهتْ، لكنّ الواقعة بدتْ لها غريبة وبعثتْ فيها شعوراً بالاستغراب السّاخر وحالاً من المرح، ولو أسلست القياد لنفسِها لقالت لمُخاطِبِها: «ألا يَجدر بك ألّا تُريني سحنتَك ثانيةً يا عزيزي الكركدنّ ممصوص الحنكين؟»، لكنّها لم تفعل واكتفتْ بقهقهتها الخافتة.
(...)

(رواية على وشك الاكتمال !)..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى