رضا أحمد - لك أن تتخيل أنك بلا أجنحة فعلا..

لك أن تتخيل
أنك بلا أجنحة فعلا
تحمل رصيف انتظار بكامل قمامته على كتفيك
ومارة يجلبون عناوين بيوت ضائعة
يلصقونها على أنفك
كذئب منتشي تلعق رماد حيوات قديمة،
العواء عندها فرصة لا تتكرر
لإزاحة أتربة وصدأ علق بقلبك؛
فترة نقاهة تستثمر فيها مدخرات عاطفتك
من كلمات رتيبة عن الحب والجنس
وحنين يفكك سيرتك كشرخ قديم في جدار
يضمن للبيت ألفته وطيبة ساكنيه،
الجدران أصلا حكايات تأكل نفسها
لتربح كل ليلة
نافذة رطبة على لسان جف
وقلب تحجر.
..
حياة كبسطة كف مدماة على حائط
وشم كهذا يثرثر بحفاوة مذنب
وجد ضالته في سكين غائر بقلب غريب،
يماطل ليبقى بعيدا عن الغبار والنسيان؛
الموت كل موت
طلاء جديد
وكل مصافحة طويلة تقيس أصابعها فوقه لترتاح؛
هذا قبر لا يسع إلا جثة واحدة.
..
حياة مثل بيت يلفه الحزن والغموض
تغزله أرملة بأمعاء رجل يحتضر
وفي نهاية حلقها
قصص مختنقة عن أطفال جوعى
أم مريضة بالسل وأب هارب من فروض الندم،
ينقصها إضاءة خافتة في قبو المؤن
حتى تنسى الأزواج السابقين.
..
يقتضي النسيان
أن تتسكع باستقامة في تجاويف قلبك
وبطول فخ مرنته على التقاط رائحتك والأمساك بك؛
تراقب نفسك تغرق في دمائك
وتلاحق حبلا يتدلى من عنق امرأة
تستغرق تماما في النوم.
..
كل شيء بدأ بنقطة
انتبه ليس ثمة سطر أخير
ولا عتبة للوحي.
..
أمي أخبرتني عن صرختي الأولي
عن سيل قصدير تدفق من رحمها،
دلقت عليه القابلة الماء والدعاء
رقى البخور وبعض التوابل؛
ألم تكن هذه خطة الله في ايقافي؟
لأكون فتاة مطيعة حقا
فكرت فيما آل إليه الهدهد بكل هذا التاريخ من الولاء والخوف
هو الذي قضم من حلاوة الشمس
وجه امرأة حقيقة
خصته بالمعرفة.
..
أتناوب والنسيان حراسة سيرتك؛
ألقي نظرة في ملفك وأرشيف هزائمي،
اقرأ بأمانة مسيرتك في زعزعة مفاصل حياتي
لأسقط بدقة متناهية في حضنك
كومة من الفقد والألم
وبموضوعية أبارك كل ما فعلته وما لم تكتبه،
أقر بموهبتك في الكذب؛
خدعتني بصدق ومحبة
وبضمير حفرت اسمك فوق جبهتي
بقليل من النظر
صرت فريسة تحظى بهامش أبدي من البكاء
ولا متن يسير نحو ما أريد،
أضع أمامك كل النجوم والسكاكر التي في جيبي
وحين يأتي النسيان
يتسلمك بمواصفات قاتل متسلل
وغد يمكنه إلحاق الأذى بالآخرين
لمجرد أن قبلوا دعوته على كوب شاي وقبلة،
يخبرني بأنك تستحق كل هذا الليل
بلا نجمة واحدة
ويبالغ في حمايتي
يمحو بصماتي؛
أعود لأجدك نظيفا بلا تقييم
وسليما كما كنت على رف قراءاتي القادمة.
..
يتذكرون موتك
كصانع ماهر للكآبة والحظ العاثر؛
تراث مفقود في حقيبة سفر
بين مدن لا تضيف إلى اللغة إلا نكهة الهزائم ومعاني الألم،
تتآكل عظامك في الركن الغائم من ذاكرة الرب؛
لست مخيفُا الآن
ولا لحدًا مأجورًا في سباق لعبة الموت،
تزدرد أيامًا منقوعة في الظلام
تتجرع الموتى مهذبين بعاطفة مكلومة
ومازالت السماء تقيم سرادقات ودية لتوزيع سيرتك على أكثر من وريث،
مشغولة بربط رأسها بعصابة من الليل
تنتحب دون نجمة تواسيها،
تطيب خاطر الشمس بكمادات
وتتسلى بقضم ظلك
كتجربة فاشلة لغريزة البقاء،
الموت غير راغب فيك بالمرة
وكل الغمام الذي تعرفه في طلل وعيك
-أو الذي تعرف عليك وتركك-
فر من رأسك
وذهب إلى قبور مستأنسة
والمرأة البعيدة
التي طالتها مشاعرك يوما
يقتضي السفر إليها نحو نصف حياتك الباقية
التي تستضيفها الشيخوخة والمرض.
..
هناك جانب آخر من وجهك
تختفي فيها الطرق والأحلام والأحباء
والحوادث التي كانت ستتخلص منك بأقل جهد ممكن؛
جانب حيث كل شيء طيب
يحترق ببطء
كاسم يفترض ألا يحضر أبدا
ولكنه ينمو كقطعة حطب
تنفث نيرانًا
ودفء عشيرة من الأشجار
تلم رمادها على موسيقى الليل.
..
دائما ما رأيت ملامحك حقل قمح كف عن الغناء
عن توزيع أنصبة الشمس والابتسامة،
حقل جائع لفأس تحرثه
لبذور قوية تتحمل العطش والجفاء،
لطمي يبقي ندوبك واضحة
كاعتراف بالهشاشة وندرة التجاعيد،
لشجرة تقف على رأسه
كشاهد قبر
يكتب عليه الجوعى كل يوم بالطابشور
ما تحتاجه وجبة من الحب
نبوءة تقتنص من عطر امرأة عابرة
حاجة شفتيها إلى قبلة وحديث لا ينتهي عند الفراق،
إلى منجل يحش القسوة والحزن؛
ليمر سيل الضوء
كنشيد يغالب النعاس الأبدي.


رضا أحمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى