عبدالعزيز دياب - ملاحظات حول مانيكان لونه رملي.. قصة قصيرة

أنا أعرف أن المانيكان لونه رملي، كما أنني أعتقد أن هذا لونًا مناسبًا لكن الآخرين اختلفوا معي، كل ما يهمني هو أن للمانيكان وظائف محددة: أن يقف شامخًا داخل الفاترينة ولا ينتظر شفقة من أحد لطول وقفته، ألا يحفل بكل ما يدور حوله من مهاترات، أن يوافق على اختياري لما يرتديه من ملابس.

ما حدث أن رجلا مَرَّ ممن يتسكعون أمام الفترينات ويتركون بقعة ضبابية ثقيلة على زجاجها، بقعة بطيئة البَخْرْ، حدق طويلا في هذا المانيكان الرملي دون غيره، أشار، هرولت إليه كظبى، أشار مرة ثانية، طلب منى أن أعدل وجه المانيكان جهة اليمين قليلا لأنه يلتفت ناحية اليسار بشكل واضح.

انصرف بخطى سريعة كأنه ما أتى وحدق في الفاترينة إلا ليقدم لي تلك النصيحة، عموما هذه ملحوظة طيبة، وأنا شخصيًا أحتاج إلى من يقدم لي ملحوظات كهذه تكون إضافة حقيقية للمكان وتعالج سلبيات ينبغي تداركها، باختصار هي عين أخرى ترى معي، لكن ما حدث أن ذلك الرجل ما كاد أن يبتلعه الزحام حتى جاء آخر وقف نفس وقفته، حدق بنفس طريقته في فاترينة الزجاج وأشار هو الآخر: المانيكان يا أخي.

يبدو أن هذا يوم المانيكان: ماله؟

أشار مرة ثانية أن اقترب، فاقتربت مطمئنًا نفسي بأنه سيكون مختلفًا، بالفعل كان مختلفًا، قال: انتبه فالمانيكان يلتفت إلى اليمين قليلا عليك تصحيح وضعه إلى ناحية اليسار، قالها هو الآخر وانصرف.

ما هذا الذي يحدث، تأملت نفسي ربما أكون قد انحرفت ذات اليمين أو ذات اليسار. مطلوب يا عالم زبائن تَعْنيهم فقط البضاعة، يقتطعون ثمنها من رُزْمَةٍ ثمينةٍ بجيوبهم.

أعتقد أنه لم تعد هناك ملحوظات حول مانيكان رملي، دخل زبون اشترى قميصًا، بعده اشترى آخر بنطلونًا، وبدأت الحركة، ربما كان الفضل يرجع لتصحيح أخطاء أساءت لمانيكان رملي، بدأت أرمى بنظرتي ناحيته ربما اكتشفت شيئا، دخل شخص لم يمهل نفسه للتفاهم بشأن مانيكان رملي، إنما كان انفعاله واضِحًا: اهدأ يا سيد.

“كيف أهدأ؟”

“سنعالج كل شيء، نحن في خدمتكم دائمًا”

هل كان محقًا ذلك الرجل وأن سبابة المانيكان وهو يرفع يده كنت بمثابة تحذير وقح من مانيكان لرجل يتصفح الفتارين بالشارع، قال الرجل: لم يفعلها أحد معي من قبل فيفعلها هو.

انصرف الرجل بعد أن طيبت خاطره، أتى غيره، دخل المحل، خلع الكاسكيت، وضعه على رأس المانيكان في صمت وانصرف، قلت لا بأس تلك إضافة حقيقية، لكن يهون كل ما حدث أمام الشاب الذي وقف أمام الفاترينة، يحدق إلى نفس المانيكان الرملي ويكتب في دفتر صغير، كان جادًا ومهمومًا، يتأمل الفاترينة ويكتب حتى كادت الصفحة أن تمتليء، عند هذا الحد لم أستطع أن أمنع نفسي عن الخروج إليه:

“ما شأن هذه الكتابة…؟”

تأملني الشاب مليًا، جحظت عيناه، حدثني بانفعال واضح: كيف ارتضيتم هذا الوضع؟

“أي وضع تقصد؟”

“هذا المانيكان بملامح واضحة… محددة، رغم أن المانيكانات وهي تسكن الفتارين ينبغي أن تكون مطموسة الملامح”، وقال بحدة أكبر:

“مانيكان يا أخي… أتفهم”

لم أستطع أن أمنع نفسي عن الضحك، لكنه كان جادًا، وثائرًا:

“هناك أمرٌ آخر”

“أسْمِعْنِي إياه”

“هذا المانيكان لونه رملي، لون طبيعي، أقرب إلى لوننا نحن البشر، وهذا ينزع عنه صفة المانيكان، كان ينبغي أن يكون لونه أزرق، أو اخضر، أو بنفسجي، هذا لأنه كما قلت لك مانيكان… مانيكااااان يا أخي”

ما أن مط هذا الشاب كلمة (مانيكاااان) حتى وجدتني أرفع هذا المانيكان المغضوب عليه من الفاترينة، أحمله على كتفي، أخرج من المحل لأركض في الشوارع والناس ورائي يركضون، لكن ما أحزنني كثيرًا أنني عندما ألتفت رأيت كل واحد منهم يمسك بدفتر صغير يدون ملاحظاته حول مانيكان لونه رملي.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى