علي المسعود - حلم مكسور \ قصة قصيرة

تمسح سهاد الغبار من دفتر مذكراتها الصغير و ينساب خيط من الوجع امتد لعشرين عاما وراحت الحروف تتساقط مثل شلال يوقظ في الروح وجعأ ازليا أثره لازال موشوما على الخد.

"اليوم يجئ الغائب من منفاه .....مفعم بالحزن متشحأ باللوعةِ , اليوم يمسح الحزن الماضي ما بين العيون ... يكبر حلم النرجس , اليوم يجئ الغائب ...والأزهار قد رقصت لخطاه و الريح تنثر تحت ساريه المحبه رضاه.

لكنه جاء منكسرا ..؟؟ من كوة في القلب ومن انكسار الحلم وذهول الناس , يطوي احزان العمر, كانت الوردة ...مغمورة بالاسى .....تبكي عزلتها بالدمع ...فتشق لها دروبا ".تنداح الاصوات الى سمعها من بعيد واضح التهديد ضعيف الترهيب لكن الصورة بدت اكثر غرابة من الاصل , اصوات اختلطت بها القصائد و الاغاني" ( كل الاغاني انتهت ...إلا أغاني الناس)" مع اغنية ( مكبعة ورحت أمشي يمة ) , ترى أين رحلوا وأي مرفأ رست سفنهم يالوعة الايام ؟؟

صارت تتمتم ببضع الكلمات لايفهم منها شئ سوى التذمر والندم على البقاء وحيدة ,فكل شئ هنا يشعرها بغربتها , الصقيع والوجوه غير الاليفة والعزلة القاتلة و الغريب انها كانت تظن بأن وجودها معه سوف يوقظ فيه مشاعر قديمة و احاسيس جميلة مثل عصفورين فرَا من القفص !

- يا الهي اني اعيش في كابوس خانق , خوفي على اهلي و اخوتي هناك وربما سيدفعون ضريبة هروبي تحت جنح الليل من زوار الفجر , ومن ناحية هذا الرجل الذي ما عدت افهم تصرفاته ؟ لقد سلبني حلمي , اعوام ثقيلة مرت وشديدة الوطئ على حياتي مرت دون ان أنعم بلحظة من السعادة , اصبحت امرأة مسورة بسياج من الشك و الغيرة و القلق و اللامبالاة انا اصبحت خادمة تؤدي مهمتها الزوجية مثل جارية وتنام كالقتيلة و نسيت الفرشاة و شكل اللوحة و الالوان وادمنت اقراص الفاليوم كي احظي بساعات من النوم , هذا الرجل سلوكه تغير وحتى حلمه يتكسر امامي و افكاره الحلوة تتراجع حتى ظهر الرجل الشرقي الغارق في وحل التخلف و المعتقدات الغيبية ,صار بيني وبينه جدار كبير بعد ان تحول من رجل جميل و رومانسي ورائع وعلى استعداد ان يبيع الدنيا وحتى الاهل من اجل عيونها تحول هذا الكائن الان الى جلاد متمرس في ترويض طريدته.

متى تنتهي هذه الحالة ايها الرجل , سألت سهاد

اجاب بلا مبالاة : عن أية حالة تتحدثين ؟

ردت عليه : عن حالة الاهمال و التهميش وعن كمية الحقد و الكراهية التي تفجرت فيك لم اكن اعرف انك رجل ملغوم!

اكتفى الرجل بالصمت وأحنى رأسه إلى الأرض كي لا ترى نظرة عينيه واكتفى بحركة غبية بيديه إشارة لإنهاء النقاش .

ادارت بعينيها الى الطفل النائم في حضنها بوداعة ونقلته الى سريره و بعدها انفجر في داخلها بركان من الالم بحجم العذاب , ضربت طرف المائدة واسقطت عددا من الصحون و الاقداح جفل الرجل اول الامر وكانت ردة فعله انه قام بسحبها من ذراعها بقوة وهو لايكف عن السباب و الشتائم التي تنهال من فمه كالمطر وهو يلعن الساعة التي رآها فيها, كان يجرها وراءه وهي تفتح عينيها الذاهلتين على سماء بيضاء مفتوحة.

" أتساءل أحيانا ماالذي يجعلني على قيد الحياة ربما الأمل وحده الذي يبقيني على قيد الحياة وأتواصل مع الحياة مثل الاشجار .. أيتها الاشجار من منا يوقف هذا النشيج ؟؟" أثقلها هذا القلق وفقدت السيطرة على الاشياء ورفعت الراية البيضاء..!! إستنفذت كل المحاولات في تغيير تفكير هذا الرجل الأناني الذي اصطبغ بحب ذاته وعشق نفسه حين تركها مرمية في اركان البيت المهجور وفي عزلة حتى من اقرب الناس , لقد تجرد من كل المشاعر الانسانية الجميلة , وحدها تنازع حالات العزلة و الغربة وحتى بعد الولادة خلاف ما أكدته امي (ربما هذا الوليد يغير من طباعه).

انقضى الليل وحل الفجر زاحفا وحين أفاقت سهاد وفتحت عينيها الثقيلتين. امسكت بحافة الفراش و دفعت الغطاء جانبا ثم قفزت نحو الأرض واستقبلت شمس النهار آن لها أن تستعيد بعضا من صور البارحة ووجدت صعوبة في تجسيد مشهد الليلة المنصرمة , تتأمل امام المرآة وجهها وقد علاه الشحوب و ترهل جسدها رغم لدانته و طراوته .

" لقد فقدت الاهتمام حتى ينفسي يبدو ان هذا الرجل قد اقسم على الغاء انوثتي و انسانيتي " لا امل لي سوى رسائل الأهل و الأحبة و اصدقاء تسحب سيكارة وتراقب دوائر الدخان وتدندن اغنية هي الملجأ للروح وبصوت عذب وجميل وعلى بكاء آلة العود يصدح صوت ( كوكب حمزة الجميل )

يمته تسافر يا گمر واوصيك
والوادم الترضه النشد تدليك
گالولي نيتك صافية
وولايتك متصافية

ياكوكب الجميل لم تكن نية حبيبي صافية !! . تنساب على خدها دمعة تترك أثر حلمِ مكسور, تفتح نافذة الغرفة ليداخلها شعور غريب بالفرح المفاجئ والحنين الى الاهل والوطن

يا فشلة الملهوف ويدوّر هله . . محطات
يا فشلة الملهوف وما يندل هله . . محطات
ياعيني يا جنة هلي
يا روحي يا جنة هلي


الهوامش
* من قصيدة للشاعر سعدي يوسف من ديوان الاخضر بن يوسف و مشاغله
* اغنية محطات من كلمات الشاعر زهير الدجيلي و لحن كوكب حمزة
* أغنية ( مكبعة و رحت أمشي ) من أغاني الخزب الشيوعي العراقي في السبعينات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى