د. ميسون حنا - الطاغية.. قصة قصيرة

ضحك الرجل بشماتة عندما وقف أمام جثة الطاغية الملقاة في عرض الطريق، لا أحد يجرؤ على الإقتراب منها إلا صاحبنا هذا الذي قطب عندما تبادر لذهنه خاطر مرّ كومضة، وهو أن للموت رهبة. ولكن كيف قُتل الطاغية ؟ ولماذا نعتبره مقتولا؟ ربما يكون ببساطة أعلن موته فقط، ولكن من كان مثله لا يموت ميتة طبيعية، إما القتل أو الإنتحار. نظر صاحبنا … لا أثر لطعنة على جسده ، السم، نعم هو السم، ولكن لم في هذا المكان بالذات؟ آه…. ربما يكون قد أُلقي هنا بعد موته، تمعن صاحبنا بالوجه، ابتسامة مرسومة، هي ذات الإبتسامة الساخرة، المستخفة التي ميزته طيلة أيام حياته ، ابتسم صاحبنا كذلك وهو ينظر إليه ، ثم اكتشف أنه قادر على الإستخفاف بالطاغية بعد موته، نظر إليه بتحد وازدراء وهو يبتسم ابتسامة ساخرة أتقن رسمها على محياه ، بدت أكثر إتقانا من ابتسامة الطاغية نفسه ، ولكن لماذا يبتسم الطاغية في آخر لحظاته ليحتفظ بابتسامته وهو ميت ؟ ابتسامته دليل على أنه لم يُقتل ، ولم يُجبر على الموت ، بل لقد اندغم بالموت، ومات منسجما معه، ومتحديا ومُقتحما له ، ولا يقدر على ذلك إلاّ جبار عتيد، ولكن من صفات الطاغية الجبن الذي يستتر خلف قناع هش وصلابة مزيفة ، تذكّر صاحبنا حكاية طاغية آخر كان يفتك بالناس، وينكل بهم ، وفي الليل عندما يضع رأسه على وسادته يبكي بحرقة، وما أن يبزغ النهار حتى ينسى دموعه، ويباشر طغيانه من جديد، هل كان طاغيتنا يبكي أيضا؟ لليل أسراره ، من يدري؟ المهم أنه مات ، بل قُتل ، أحب صاحبنا أن يعتبره مقتولا، وكأنه بموته هذا يقتحم حياة مبهمة وينهي موتا غير معلن من حياة شوهاء عاشها طاغيتنا أو ماتها ليعلن موته القديم اليوم فقط عندما وُجدت جثته أمامنا كأمر واقع لا حياد عنه، وبينما كان صاحبنا مسترسلا مع أفكاره إذ داهمته الجنود وأشاروا إليه بأصابع الاتهام ، وصرخ قائدهم : أيها القاتل ، لم يُنف التهمة ، بل أكدها وشعر أنه بُعث من موت كان معششا في صدره لحياة قصيرة ، بل قصيرة جدا ، تلك الحياة التي ستقوده إلى عقوبة الإعدام وحرص أن يحتفظ بابتسامته المُتقنة ليستقبل موته الذي سيكون له صدى يخلده.


ميسون حنا

أعلى