أشـرف الـريـس - عـن ذكـرى مـيـلاد الـخـمـيـسـي..

يوافق اليوم 13 نوفمبر 2019 الذكرى السنوية الـ 99 لميلاد ” القديس المنسى” و” جبل الفن المُتحرك” الروائى و الصحفى و الشاعر و المُخرج و الكاتب الكبير و المُمثل المُتميز ” عبد الرحمن عبد الملك الخميسى مراد” الشهير بعبد الرحمن الخميسى و الذى يُعد واحداً من أبرز ظرفاء عصره و كان يُشكل مع أصدقائه ” كامل الشناوى” و الشيخ ” عبد الحميد قطامش” و ” حنفى محمود باشا قطب” حزب الأحرار الدستوريين و الشاعر طاهر أبو فاشا حالة من الزخم الوجدانى و الإجتماعى فى القاهرة قبل ثورة يوليو و بعدها و كان يحب إيقاع أصدقائه فى المقالب و المواقف الكوميدية و يستخدم موهبته فى ذلك للقصاص ممن يواجهونه أو يوقعونه فى المشاكل كما كان له شخصية قيادية هونت عليه كثيراً سنوات سجنه و جعلته يتحكم فى أوقاته داخل السُجون و المُعتقلات التى قيدت حركته بسبب دوره السياسى المُعارض و آرائه ضد نظام الرئيس السادات و ضد مُمارسات بعض رجال عبد الناصر من قبله ..
ولد الخميسى فى 13 نوفمبر عام 1920م فى مدينة بورسعيد الباسلة لأم حضرية و أب فلاح مُتوسط الحال من قرية مِنية النصر بالمنصورة ثم انفصلا الوالدين و كان الخميسى لايزال طفلاً فلما بلغ السادسة أرسله والده إلى مدرسة فى قرية الزرقا ثم لمدرسة القبة الثانوية بالمنصورة لكنه لم يُكمل دراسته بها وحين كان فى العاشرة حشد الصبية فى قريته ذات ليلة و اتجه بهم إلى مقابر الأثرياء فى القرية لخلع أخشاب المقابر من أجل بناء مسرح للفقراء ! و فى سن مُبكرة بدأ يكتب الشعر و يُرسل قصائده من المنصورة فتنشرها كبرى المجلات الأدبية حينذاك مثل « الرسالة » لأحمد حسن الزيات و « الثقافة» لأحمد أمين ثُم قرر الخميسى الانتقال للقاهرة عام 1936م و لم يكن له بها سند أو قريب و فيها أجبرته الظروف على العمل بائعاً بمحل بقالة و كُمسارى و مُصححاً بمطبعة و معلماً بمدرسة أهلية و نام على أرائك الحدائق ثم جاب الريف مع فرقة ” أحمد المسيرى” المسرحية الشعبية و كان عند رجوع الفرقة من جولاتها يكتب الأغانى فى شارع محمد على باسم مؤلفين آخرين نظير مبلغ زهيد و فى بداية الأربعينات تأثر بكاتبين عملاقين الأول الشاعر الكبير ” خليل مطران” و الثانى ” سلامة موسى” الذى قاده إلى الفكر الاشتراكى فيما دخل عالم الصحافة فى وقت متأخر و كتب فى جريدة المصرى قبل ثورة 1952 و أصبح خلال سنوات قليلة « أكثر الكتاب شعبية » و كان يكتب عمودا ثابتا بعنوان « من الأعماق» و لمع كشاعراً رومانسياً و بعد قيام ثورة يوليو 1952م تم إعتقاله بين عامى 1953م و 1956م بتُهمة الميل للفكر الشيوعى ! و انتقل بعد خروجه من المُعتقل للعمل فى جريدة الجمهورية و تم نقله بشكل تعسُفى لاحقاً للعمل فى وزارة التموين! ثُم قام الخميسى بعد ذلك بتكوين فرقة مسرحية باسمه و كتب سيناريوهات و أخرج أربعة أفلام و وضع الموسيقى التصويرية لها و انتج ثلاثة منها و هذه الافلام هى ” الجزاء ” عام 1965م بطولة حسين الشربينى و شمس البارودى و ” عائلات مُحترمة” عام 1968م بطولة حسن يوسف و ناهد شريف و عبدالمنعم ابراهيم و عدلى كاسب ثم قدم فى عام 1970م فيلم ” الحب و الثمن” لأحمد مظهر و زيزى البدراوى و صلاح السعدنى ثم فيلم ” زهرة البنفسج” و الذى قام ببطولته عادل امام و زبيدة ثروت كما كتب فيلم ” حسن و نعيمة” الذى اخرجه بركات و قدم فيه الخميسى مُحرم فؤاد و سعاد حسنى لأول مرة كما قدم الى جوارهما فى الأفلام السابقة الكثير من الوجوه الجديدة الذين أضحوا بعد ذلك نجوماً فى السينما المصرية منهم صلاح السعدنى و حسين الشربينى و شمس البارودى و مديحة كامل و قد كان أقل أفلام الخميسى جودة ” زهرة البنفسج” الذى لم يستمر فى دور العرض أكثر من 3 أيام ! أما أفضل أفلامه فكان ” عائلات محترمة“ و اشتهر كمُمثل بدور الشيخ يوسف فى فيلم ” اﻷرض” مع المُخرج يوسف شاهين و لمع الخميسى أيضاً كشاعراً من شُعراء الرومانسية و مدرسة أبوللو بروادها الكبار ” على محمود طه” و ” محمود حسن إسماعيل” و ” إبراهيم ناجى” و ” غيرهم” ثُم انتقل إلى تعريب الأوبريتات فى تجربة كانت الأولى من نوعها فى تاريخ المسرح الغنائى خاصة أوبريت ” الأرملة الطروب” و أوبريت ” حياة فنان” و تم عرضه فى دار الاوبرا عام 1970م و هو من تأليف الكاتب الإنجليزى ” إيفون نوفيلل” و قد قام الخميسى بتعريبه ليقوم ببطولته الفنان ” حسن كامى” كما قدم اوبريت ” مهر العروسة” من تلحين الموسيقار بليغ حمدى و إلى جانب ذلك كله كان الخميسى يواصل دوره الصحفى و الأدبى فى مجال القصة و الشعر و بعد عودته إلى جريدة الجمهورية لإستئناف الكتابة كان أول ما نشره سلسلة من المقالات تم منع نشر ما تبقى منها بآوامر رئاسية ! و بعدها هاجر الخميسى من مصر فى رحلة طويلة من بيروت إلى بغداد و من بغداد إلى ليبيا و منها إلى روما ثم باريس ثم موسكو حيث حصل فيها على نجمة لينين و كان صديقاً لعدد كبير من المُبدعين و الشُعراء السوفيت و التقى رائد الفضاء ” جاجارين ” الذى أفرد فى مذكراته جزءاً كبيراً للحديث عن شخصيته و قُدرته على اجتذاب الأصدقاء . أنجب الخميسى من الأبناء ” 13 ” و هُم بالترتيب ” عبد الملك ” النجل الأكبر ( و الد المُمثلة لقاء الخميسى ) ثم " ضياء" و ” أحمد ” و” فتحى ” ثم ” عزة ” ثم ” عائشة ” ثم ” منى ” و له أربعة أبناء من سيدة أخرى هم ” عبد الرحمن ” و ” جهاد ” و ” عُرابى ” و ” طارق ” ثم اثنان من سيدة رابعة هما ” خالد ” و ” هند “.. للأسف الشديد لم يحصل الخميسى على أى جوائز مصرية! حتى كتابة هذه السطور فهل تَرُد له الأوبرا فى يوماً ما الاعتبار و يُكتب اسمة على أوبرا « الأرملة الطروب»؟ و هل يقوم المجلس الأعلى للثقافة بتكريمة؟ و هل يُطالب اتحاد الكُتاب باطلاق اسمة على أحد شوارع المنصورة؟ و هل تقوم الجامعات بدراسة أدبة علماً بأن هناك عشرات الدراسات العلمية عنه فى جامعات موسكو و فرنسا و أمريكا ! و لكن لا أعتقد حيثُ لا كرامة لنبى فى وطنه الذى تغرب عنه و ظل يقضى ما تبقى له من سنوات حياته خارجه حتى وفاته فى 1 / 4 / 1987م و تم نقل جُثمانه ليُدفن فى مدينة المنصورة حسب وصيته الأخيرة بعد أن قال لنجله أحمد ” أسمع يا أحمد إذا حلت بى نهايتى فقم بدفنى إلى جوار شجرة فى المنصورة أو أزرع لى شجرة إلى جوار قبرى لأننى سأعود عصفوراً طليقاً جريحاً كما بدأت و لابد أن أجد لى مكانا حتى أغنى من فوق أغصانه”..
رحم الله عبد الرحمن الخميسى و تجاوز عن سيئاته و أسكنه فسيح جناته.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى