إبراهيم عبدالمجيد - قيامة الشعراوي..

فجأة قامت الدنيا على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بسبب جملة قالتها المذيعة أسما شريف منير ابنة الفنان شريف منير عن الشيخ الشعراوي، باعتباره متطرفا ولا تحب آراءه. أنا شخصيا على دراية بأن في هذه المواقع ملايين يحكمهم الفكر المتخلف سياسيا أو دينيا، وهم سعداء بذلك، ولا يضايقني إلا أن الغالبية منهم شباب، وهذا يؤكد لي شيئين، أن بينهم لجانا كما يقال هذا عملها، لكن أيضا أغلبهم مقتنع بما يقول.

قليل من التفكير والبحث يكتشف أي شخص أن ظهور الشيخ الشعراوي كان قرين سياسة الرئيس السادات، الذي فتح فيها الباب للإخوان المسلمين والسلفيين والفكر الوهابي، في محاولة عقيمة منه ـ انتهت بقتله – أن يوازن بينهم وبين الناصريين والشيوعيين، ويتحكم هو في العصا من المنتصف، يميلها حيث يريد ووقت ما يريد باعتبار الناس أكياس بضائع وهو الميزان، يتحكم فيه ويغش فيه أيضا إذا أراد.

قبل السادات لم نكن نسمع عن الشــــيخ الشعراوي وكلامه عن أنه سجد لله شكرا يوم هزيمة 1967 نكاية بديكتاتورية عبد الناصر، لم نعرفه وقتها، لكن بعد أن ظهر السادات، كنت في ذلك الوقت أتابع كثيرا حلقاته في التلفزيون، بعد أن عاد من السعودية وصار له برنامج أسبوعي، جذب انتباه الناس بطريقته وحركاته التمثيلية وقدرته على أن يقنع الجالسين أمامه في الجامع، وبالتالي المشاهدين بما يقول.

لم أكن معجبا به ولا مقتنعا بما يقول، ليس لأساب سياسة، رغم وجودها، فأنا أعرف أنه ترس لامع في ماكينة السادات لتكريس التخلف، لكن لدراستي للفلسفة وتاريخ الفلسفة الإسلامي. أدركت من أول حلقة أو حلقات قليلة أن الرجل من اتباع التفسير الظاهري للقرآن الكريم، الذي يقوم على تفسير اللغة كما هي، بدون أي محاولة للتأويل، وطبعا بدون النظر في زمن الآية القرآنية، أو شكل المجتمع الذي نزلت فيه وقتها، وكيف أن هذا الشكل تغير، ومن ثم يجب تغيير الظاهر من المعنى، الذي يجعله أهل هذا التفسير حاسما وأوامر لا يأتيها الباطل. رغم ذلك تابعته كثيرا ورأيت أنه كثيرا ما يكون أكثر تشددا بشكل يسيء إلى البشرية، حين يرى أن تغيير الأعضاء ذنب، وأن غسيل الكلى للمريض ذنب، وغير ذلك مما قاله استسلاما لقضاء الله، واضعا البدايات وحده والنهايات، كأن الله خلق الناس أغناما لم يعطها حتى حرية الحفاظ على صحتها. لن أتحدث عن كثير من آرائه مثل صحة قتل تارك الصلاة، وصحة ضرب الرجل لزوجته، وصحة تكفير أصحاب الديانات الأخرى وغيرها، فكلها قائمة على شرح لغوي مباشر لبعض الآيات، وليس حتى تفسيرا لها. يعني أوامر.

انتهي عصر السادات ومبارك، وانتهى زمن الشعراوي بين السادات ومبارك، لكنه من المؤكد ترك أثرا كبيرا جدا في سامعيه. لم يكن التلفزون مثلا قبلها ولا بعدها يعطي رجلا مثل الدكتور نصر حامد أبو زيد برنامجا للحديث عن الدين. وكذلك رجلا مثل الدكتور حسن حنفي، ولا أي مجدد للتراث الديني من الأساتذة العظام، وحين حدثت هزة في البلاد بعد ثورة يناير/كانون الثاني صدق البعض ضرورة التجديد الديني، وظهر البعض في التلفزيون وانتهي الأمر بالسجن طبعا.

ابتعدت من زمان عن الحديث في الأمر، لأنني أعرف أن وراء الشعراوي تفسيره الظاهري، وهو التفسير المناسب لأي نظام قمعي، فمن يخدم الديكتاتور أكثر من شيوخ السلطان الذين يحولون الناس إلى أنعام تمشي وراء راعيها، الذي يضع أمامها جزرة لا تطولها. كثيرا ما انفجر الأمر على صفحات الميديا، وعادة من يفجره يناله الكثير جدا جدا من الشتائم باعتباره (الشعراوي) رجلا مقدسا. طبعا رجال الدين مقدسون. هم قالوا عن أنفسهم ذلك فهم علماء الإسلام ولا علماء غيرهم، رغم أن كلمة علماء قرينة بالعلم التشخيصي للعالم المادي وظواهره من أول شكل الكرة الأرضية إلى علوم الويب والاتصالات، لكنهم جعلوا التفكير في الدين علما وهم علماء، ورغم أيضا ان العلم المادي أهميته أنه يقبل التكذيب، فبعد كل نظرية علمية تأتي نظرية أوسع شمولا وأدق اكتشافا، وهكذا يتقدم العالم، لكن علماء الدين هم من ينهلون من كتب قديمة ولا يتغيرون، ومن يطلب منهم التطور باعتبار أن ما يقولونه فكرا وليس علما، يصبح متطاولا ويجب أن لا يدخل في مجالهم الذي هو علم نهائي، فإذا قالوا إن العلمانية تعني حرية العلاقات الجنسية، لا يفكر أحدهم أبدا أنه دينيا يقرون بتعدد الزوجات وزواج المسيار وتحليل السبايا وزواج الأطفال، وغير ذلك من المتع التي تزيد عشرات المرات عن حرية العلاقات الجنسية في البلاد العلمانية، التي فيها التحرش من أكبر الجرائم، وأن من له علاقة بأخرى رجلا أو امرأة لا يبني عليها علاقة أخرى، ويوم يفعل ذلك ينفصلان بهدوء. لكن مادام الواحد من هؤلاء المسمى بالعالم، قال ذلك، فالعلمانية شر دون أن يعرف شئيا عن المجتمعات المتقدمة التي فصلت الدين عن الدولة.

ليس مهما أنه قامت الدنيا على ابنة الفنان شريف منير، فهذا متوقع، ولا أن الدنيا استمرت قائمة بعد اعتذارها رعبا، لكن المسخرة أن أعضاء من مجلس الشعب صرخوا ضد ذلك ـ لا بأس فهم واضعو القانون الذي يجرم الإساءة للشخصيات التاريخية ويقصدون به الإساءة للرؤساء فقط لا غير طبعا ـ ونائبة احترمها مثل الدكتورة آمنة نصير، التي أراها أكثر تفتحا دينيا بين أساتذة الأزهر، أدانت وشجبت ذلك، وأنا على يقين أن أحدا ممن أدانوا ذلك باستثناء الدكتورة آمنة نصير ـ وهذا مصدر دهشتي – لا يعرفون شيئا عن مناهج تفسير القرآن لا الظاهرية ولا الباطنية ولا يعرفون الأشاعرة من المعتزلة، ولا حتى الفرق بين الشيعة والسنة، غير أن الشيعة تدين مقتل الحسين. طبعا كثيرون على المواقع قالوا إن ما جرى «اشتغالة» أريد بها إلهاء الناس عن السياسة والأحداث الجارية في مصر وغيرها من العالم العربي، لكن لا أعتقد أنها اشتغالة كما قالوا، بل هي حقيقة الأوضاع الثقافية والفكرية في بلادنا. لقد تخلفنا كثيرا جدا للأسف. ومن المهم التذكرة أن من أعاد الشيخ الشعراوي إلى مصر كان المذيع أحمد فراج، الذي انفصل عن المطربة والممثلة صباح وسافر إلى السعودية سنوات، وعاد ببرنامح «نور على نور»، ولم يكتف بالشيخ الشعراوي، بل فتح الطريق أيضا إلى الدكتور زغلول النجار، صاحب التفسير العلمي للقرآن، الذي جرت وراءه جامعات وأساتذة ووجدوا في القرآن كل النظريات العلمية، بينما هو كتاب أخلاق وضمير.

لن أتحدث عنه إلا ضاحكا إذ قرأت له مرة مقالا في جريدة «الأهرام» يتحدث عما وراء تحريم لحم الخنزير من حكمة إلهية، وراح يعدد عشرات الأمراض في لحم الخنزير، وطبعا وفقا لكلامه كان لابد أن يموت كل أهل أوروبا وأمريكا الذين هم أطول عمرا منا نحن شعوب الشرق الأوسط، وفكرة التحريم عامة بسيطة جدا وهي اختبار قدرة الإنسان على التخلي عن شيء مما يحب، اختبارا لإرادته تماما كالصيام الذي يجعل الإنسان يقترب من صفاء الروح، أكثر من المادة وليس فيه اقتراب من الفقير أو غيره، فالفقراء هم الأكثر صياما، سواء لأنهم لا يجدون ما يأكلون أو لمحبتهم لله ورجائهم أن يفتح عليهم. أشياء كثيرة يطول فيها الكلام وربما أعود إليها يوما، لكن المؤسف أن من قالت ذلك أخرجوها من الملة وأهانوها وأرعبوها وناموا مستريحي البال، رغم أن من يمجدون الشعراوي بالملايين مشاهير وغير مشاهير.


إبراهيم عبدالمجيد



أعلى