علجية عيش - لا أُبَــاعُ ولا أشـْتـَرَى.. قصة امرأة تواجه نظاما سياسيا عفنا

هي قصة امرأة سوداء تنتخب عضوا بالكونجرس، تتحدث بصراحة عن حياتها وعن النظام السياسي في أمريكا، وقد علمتها التجربة دروسا زادت قيمتها يوما بعد يوم، رغم العراقيل التي واجهتها في إيجاد عمل لاعتزازها بنفسها، خاصة وأن التنظيمات ترى أن صاحب النفوذ، يكون في موقع القوة، والتي كانت تقول إحدى قواعده " إذا أثار أحد المتاعب واستطعت أن تتخلص منه فلا تتردد، أو لن تنال رضاهم إلا مقابل أغلى ما يمتلكه الإنسان"، إنها شيرلي شيزوم التي روت مسيرتها النضالية في كتاب بعنوان: " لا أباع ولا أشترى " يحتوي على 214 صفحة، ترجمة محمد حقي، طبع بدار المعرفة القاهرة عام 1976 بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين، وهي تدخل عالم السياسة اكتشفت شيرلي المناورات التي يقوم بها السياسيون وما كانوا يضمرونه، وكيف كانت تعقد الصفقات السياسية، وامتصت كثيرا من آرائه النافذة، حول الطريقة التي يعمل بها النظام السياسي، وكيف يستبقي البعض خارج النظام ويسمح للبعض بالدخول فيه، فشعرت أنها من حقها أن ترشح نفسها، وذلك ما تعنيه الديمقراطية الحقة، وهنا وقف ماك ضدها، ظنا منه أنها تحاول أن تدفع به إلى الخارج،ذلك بكتابة منشورات مطبوعة مليئة بالدعاية له، ومن هنا بدأ الاغتيال الشخصي. .، بقيت شيرلي تمارس نشاطها السياسي وكونت عام 1959 نادي الوحدة والديمقراطية، وكان عامها هذا، عام التمرد المتصاعد في دعوتها إلى الإصـلاح والتكـامل العنصـري، أصبحت شيرلي شيزوم مرشحة لعضوية مجلس الولاية وكان عام 1964 أول عام بالنسبة للمترشحين السود في ولاية نيفي شن حملتها الانتخابية الأخرى، حيث قوبلت بالعداء بسبب جنسها، تقول شيرلي: " لم يكن أحد يعيرني اهتماما، كنت امرأة، حديثة العهد، وكانوا يتوقعون مني أن أقبل القواعد، وأتبع التقاليد التي فرضوها، وظنوا أنني سأدعمهم، وهكذا كانوا لا يكفون عن تغيير حدود الدائرة،مما جعلها في شك دائم، حتى يصدونها عن هدفها المنشود، لأنه هناك طرقا عديدة، يملكها الذين بأيديهم السلطة، للسيطرة على هؤلاء الذين يخالفونها، تقول شيرلي: " درس تعلمته هو أنك، إذا قررت أن تعمل بوحي ضميرك، وليس على أساس منفعتك السياسية، فلا بد أن تكون على استعداد لتحمل التبعات، فليس هناك متسع من الساحة السياسية، لشخص مستقل مبدع، أي لمناضل نزيه، والذي يرضى بهذا الدور، لابد أن يدفع الثمن..

تواصل شيرلي شيزوم مسيرتها في المجال السياسي ولم تتخلى عن أملها في تمثيل الديمقراطية،وكيف تم انتخابها في عضوية الكونجرس أي البرلمان، إذ تقول: تمزقت أصوات السود،بتقسيم مدينة بروكلين أين تجمدت فيها فعالية الناخبين السود، وأعلن جهاز الحزب أنه لم ينتقل في الدائرة السوداء، وسوف يترك اختيار المرشح للشعب، يقرره بنفسه، في تلك الآونة تكونت شيرلي في إدارة اللجنة للمواطنين، ودعت هذه الأخيرة كثيرا من المرشحين المحتملين لمساءلتهم، كانت شيرلي المرأة الوحيدة بينهم، وقررت اللجنة في الأخير تأييدها، فقد كانت شيرلي المرشح الوحيد الذي ناقشهم، واختلف معهم حول بعض الأمور، التي قالوا إنهم يتوقعون من المرشح المعين تحقيقها، وما إن انتشر النبأ، حتى بدأ السياسيون يتذمرون بقولهم : "إذا لم يكن قد استطعنا أن نسيطر عليها في الباني فكيف نستطيع ذلك في واشنطن"، واستطاعت شيرلي أن تثبت لجهاز الحزب، أن امرأة صغيرة سوداء قادرة على هزيمتهم، لم يكن لديها المال الكافي لحملة انتخابية لمقعد الكونجرس، ولكنها عقدت العزم،على أن تثبت لهم بأنه بإمكان أي شخص على قدر من اللياقة والروح النضالية، أن يتغلب على النظام القائم بضربه بنفس أسلحته.
كانت شيرلي ترقب النظام السياسي العفن، الذي يقف في وجه التغيير، لأن القائمين عليه ملتزمون بالوقوف ضد التغيير، وتغيير النظام لمنفعة الناس بصورة أكبر، معناه أنهم لن يكونوا بعد الآن صانعي الملوك، والمتحكمين في عجلة القيادة، هؤلاء الذين وضعوا أنفسهم في المقدمة كزعماء وحراس للشعب، وهذا هو الخداع الذي يجب أن نحاربه، وهكذا سلكت شيرلي الطريق الصعب في إدارة حملتها الانتخابية، في مناطق البناءات السكنية، في المنتزهات العامة، وكتبت شيرلي شعارا، عبرت فيه عن موقفها الكلي: شيرلي شيزوم المناضلة "لا أباع ولا أشترى"، وكانت أيام آخر الأسبوع من أثمن الأوقات، كما كانت شيرلي في هذه الفترة الحرجة قد أصيبت فجأة، وبلا مقدمات بمرض شديد، ورم لكنه ليس من النوع الخبيث، ودخلت المستشفى وأجرت العملية، في هذه الفترة كان غريمها فارمر، وهو مرشح الانتخابات قد بدأ يتساءل عن غيابها، اصطحبت شيرلي ثلاث رجال معها وقالت لأضخم الرجال حجما، عليك أن تتقدمني في النزول، فإذا وقعتُ سأقع عليك، وباستطاعة الرجلين الآخرين أن يمسكا بي، وخرجت وفي مكبر الصوت قالت : "سيداتي سادتي هذه شيرلي شيزوم المناضلة إنني ما زلت كما أنا وفي كل مكان برغم ما يقول به الناس عني" ، لم تشعر شيرلي بأية آلام أو مضاعفات من جراء العملية واستمرت شيرلي حملتها الانتخابية ودعمها الأهالي بالمال،و كذا صديقها وأستاذها "ماك" خاصة حين اكتشف أن فارمر غريمها يستغلون جنسها كأنثى، في الدعاية ضدها..

شيرلي تترأس لجنة العمال والتعليم في الكونغرس
--------------------------------------------------------------------------
اشتركت شيرلي في مناظرات مع غريمها فارمر المرشح للانتخابات وحصلت على 34885 صوتا مقابل 13777 صوتا حصل عليها هو، وانتهت الحملة الانتخابية التي استغرقت عشرة أشهر بعملية جراحية كبرى، وتضيف شيرلي، أن أول حدث كبير يمر به عضو الكونجرس في منصبه عندما يعين بإحدى اللجان المنبثقة عن الكونجرس، أن يختار اللجنة التي يفضلها ويود العمل فيها، وكان اختيار شيرلي، لجنة العمال والتعليم باعتبارها معلمة من جهة، وعملت في تشريع التعليم بمجلس ولاية نيويورك من ناحية أخرى، ولكن اللجنة عقدت اجتماعها خلف أبواب مغلقة، وتم تعيينها في لجنة الزراعة، دون أن يعلموا أنها نشأت في مزرعة، واتصلت شيرلي بماك كورمان رئيس المجلس، واعترضت عن القرار، فقال لها الرئيس: "هكذا تسير الأمور … ولابد أن تكوني جنديا مطيعا"، وأكد لها أنها بعد سنوات قليلة كجندي مطيع سوف تكافئ على ذلك، كان الكثير من رجال الكونجرس ليسوا سادة أنفسهم ويكفي أن يراقب المرء كل واحد منهم قليلا ليرى مصدر النغمة التي يرقص عليها، وهذه هي السياسة، وحول نظرتها للكونجرس تقول شيرلي كان يواجه العضو الجديد كثير من خيبة الأمل لأن أفكاره عن القوانين التي سجلت مشكلات البلاد مهما تكن رؤيته لهذه المشكلات محكوم عليها بالفشل لأنه مبتدئ في مجموعة ضخمة . وقد وقفت شيرلي في البداية بعيدة عن الزحام خاصة تلك الدعوات والحفلات لأنها لا تلائم طبيعتها الأنثوية، كونها دقيقة في اختيار من ترغب في صحبتهم فعندما تصطدم الأخلاقيات بالمكاسب فإن المكاسب نادرا ما تكون هي الخاسرة ورأت شيرلي بوضوح كيف تعمل العنصرية عملها في الكونجرس. إن المرأة عندما تدخل ميدان السياسة سوف تجد الرجال يعاملونها كناضر مدرسة يعامل تلميذة مستجدة، ينظرون إليها كشخص يبحث عن اللهو، وهكذا جاء شعار شيرلي:" لا أباع ولا أشترى " وهو شعار يجعلنا نبحث عن مثل هؤلاء الزعماء أمثال شيرلي في حياتنا اليومية وسط مجتمع يعطي للمرأة قدرها ويجعلها مجرد أداة بين يديه، أو لعبة يتسلى بها.

قراءة/ علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى