محمد مخالدي - قراءة في كتاب : "الفن التشكيلي بين التأطير والتنظير" للكاتبة خيرة جليل

في خضم البحث عن مرافد للنقد الفني التشكيلي والعمل على رسم معالم حقيقية للمشهد النقدي التشكيلي في الوطن العربي والمغرب العربي وصلني عمل نقدي تشكيلي بعنوان " التشكيل بين التنظير والتأطير" لصاحبته خيرة جليل في الحقيقة لم يسبق لي أن عرفت الكاتبة والفنانة خيرة جليل، إلاّ أنّ هذا العمل جعلني أكتشف هذه الناقدة المجتهدة جداً كممارسة الفنون التشكيلية و في مجال الكتابات النقدية التشكيلية وحتى في مجال الرواية، بعد اطلاعي على محتوى هذا الكتاب الذي جاء في 100 صفحة اكتشفت أنّ هناك من يقاسمني الكثير من الأفكار والرؤى، ذلك لإنّ الوعي الحقيقي بالمشاكل والعوائق الواقعية الملموسة في أوطاننا يجرنا إلى نفس الانطباعات والمواقف، حتى إذا تعددت صورنا فإن تصوراتنا نفسها أو أنها متشابهة مادام الدافع إلى ذلك واحد، لقد طرحتْ الكاتبة في البداية حقيقة المشهد النقدي في العالم العربي بصفة عامّة في ظل مستجدات العصر التواصلية والتكنولوجية التي أتاحت فضاءات فسيحة لكل من أراد أن يركب صهوة النقد أو التنظير فهو يستطيع وبكل سهولة أن يطرح أفكاره فتصل الجميع دون عناء، وهو العائق الأكبر في الأمس القريب، إنّها ديمقراطية النقد أو كما أسمتها الكاتبة دمقرطة العملية النقدية، ولم تختلف ديمقراطية النقد عن الديمقراطية السياسية في عواقبها الوخيمة حيث ساهمت هذه الديمقراطية النقدية في تكريس الرداءة السائدة سالفاً وأفشت فيها ثرثرة فكرية تبناها الكثير من غير أهل الاختصاص مع شغور الساحة وخلو المجال من أهله.
إنّه حال الساحة النقدية العربية بصفة عامّة وفي المغرب والجزائر بصفة أخص،هذا ما دفع بالناقدة المغربية والفنانة خيرة جليل بشرح هذه المعضلة وطرحها بلغة نقدية تشكيلية قوية وواضحة توحي بتمكنها اللغوي الأدبي ودرايتها بالفن التشكيلي وطبيعة الممارسات التشكيلية وحقيقة الفنان وكل مايحيط بالعمل الفني من ظروف. كل ذلك يُخوِّل لها الحديث والتعبير عن رأي الفنّان وحاله ووضعيته بكل صدق وأمانة، ويجعلها تتحدث باسمه وباسم العمل الفني، لقد عهدنا في كثير من الأحيان كتابات تجرنا عناوينها إليها جرّاً حتى إذا توغلنا بين سطورها وصفحاتها لم نجد منها إلاّ السّراب كون أصحابها أهل أدبٍ ولغة في أغلب الأحيان جذبهم خلو الفضاء من أهله فانزاحوا إليه بغير علم أودراية.
تتفرد خيرة جليل بقوة الاقناع والقدرة على التعبير كونها تتوفر على كل مقومات الناقد التشكيلي المتمرس والناضج، وقد أثبتت ذلك النضج والاحترافية النقدية وهي تعرض علينا عدداً من النماذج التشكيلية المغربية المعاصرة، فحين تقرأ لها ستخال نفسك أمام العمل الفني والفنان وكأنه شاخص أمامك بما تطرحه من وصف وتحليل للوحات مستعملة لغة بسيطة مشكلة من مفردات تشكيية متداولة وأسلوب يتجه بطريقة مباشرة صوب حقيقة العمل الفني التشكيلي وطبيعة الممارسة التشكيلية مما يوحي باحترافية الكاتبة وممارستها الفعلية للفن التشكيلي وخبرة كبيرة في مجاورة الفن التشكيلي وأهله من خلال الورشات أو المعارض.
إنّ ماقامت به الكاتبة خيرة جليل مبادرة جديرة بالاحترام والتقدير وتستحق كل التشجيع في ظل شُحِّ مثل تلك الأعمال وفي المقابل وجود كثير من الطُفييليين الذين تجرؤوا على الخوض في ذات المجال دون علم ولا دراية بطبيعة الخطاب التشكيلي ومفردات القراءة البصرية وملؤوا المكتبات بثرثرة لغوية يشدك ظاهرها ويخيب ظنك في محتواها لأنّها وبكل اختصار تعالج مواضيع الفن التشكيلي بمنهج غير منهجه وأسلوب غير أسلوبه وتستعمل مفردات لا تتناسب معه،إنها اللغة التشكيلية التي افتقدت عند الكثيرين.
من خلال تجربتي المتواضعة فاني أدعوا كل من أراد الكتابة في الفن التشكيلي أن يملك مقومات الكتابة في ذلك المجال وندعوا كل المثقفين من الفنانين التشكيليين أن لا يبخلوا علينا بتجربتهم التشكيلية ويضعوا أمام الطلبة والباحثين مامروا به وما اكتسبوه في الفن التشكيلي أملا في الوصول إلى ثقافة تشكيلية حقيقبة وذوق فني سليم ومؤسس.أرى أن ماقدمته الأخت خيرة جليل مكسب وإضافة إيجابية للمكتبة التشكيلية في الوطن العربي أدعوا الطلبة والباحثين إلى الإطلاع عليه والإستفادة من تجربتها وما تقوم به من جهد، كما أتمنى لها التوفيق و التألق والمزيد من الكتابات....

الأستاذ محمد مخالدي جامعة وهران- الجزائر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى