عبد الغفار العوضى - ثمانى سماوات لا تكفى للهروب من فكرة الأرض.. شعر

لم أفكر فى شئ سوى أن سمكة راحت تفكر عميقا فى جدوى إرادتها الحرة
وهى تخرج من فكرة البحر
وتجرب السباحة فقط داخل جسدها اللامحدود..
(1)
كأن تخلع واحدا من أعضائها
وتكتفى بما يتركه الألم مكان هذا الفراغ القاتم
فراغ يظل يكبر
ليحتل مكان الجسد القديم.
(2)
لم أعش أبدا خارج جسدى؛
وليست فكرة اختراع عالم خارجى سوى إعطاء بديل زائف عن الجسد،
وفى أغلب الوقت يكون إدراك العمق اللانهائى لعاطفة الجسد متأخرا، حين نخسر فجأة واحدا من أعضائنا الحميمية، حينها تختل هندسة الحياة بشكل يعجز معه الوعى عن اختراع جسد بديل .
(3)
هل تظل الغابة تلعب دور الصياد؟
أنا الذى أزرع كل تلك الأشجار من الفخاخ..
...
من الذى وضع قواعد اللعبة،
من يحدد هوية الخاسر،
الغابة التى تعيش دورها الألوهى؟
أم أنا الذى اخترت شعور الفريسة،
كى تستحق مرارة الشفقة!
الجنة والجحيم ليسا سوى عقاب لاعقلانى لحفظ توازن المعادلة، إنه حساب رياضى شديد القسوة،
أدرك ذلك..
وهنا ..الفخ والمصير يتشابهان فى حتمية موت الجسد
والاحتفاظ بجثة الروح
فى ميزان معطل ..للأبد!
(4)
فى لحظات الألم أشارك جسدى حواره الذاتى؛
كن طيبا كأم مع تلك الجذور المتشابكة من الأعصاب التى تشبه قطيع ذئاب يعوى من الجوع،
ضع ملح تجاربك القاسية فى تلك الجراح المتسعة دوما لتجربة مزيد من الاغتراب،
الجسد فى لحظات هزيمته لا يريد سوى مشاركة البكاء
كن جسدك ولو لوقت قليل فى تلك المساحة الضيقة جدا من التوحد..
سترى أن الجسد يلتهمك فى عاطفة أمومية جارفة
ولم يبق منك سوى الشعور بالألم
الذى يترك فراغا فى وعيك
(5)
أين يذهب هذا الألم حين لا نشعر به
إنه يغادر كطفل غاضب
لم يجد أبا حنونا يضع قبلة على جبينه..
(6)
لا يريد منك جسدك سوى أن تسمع صراخه الخفى،
فقط أزل كل صخور الجبل عن حواسك القديمة،
واقترب من سدرة تنام على حافة القلب
سترى إلها صغيرا يشبهك
عاجزا عن الخلق
إنه أنت حين كنت طفلا!
(7)
عالم داخلى يشبه متاهة
جرب أن تدخلها بلا اشارات
ودع أصابعك تتلمس أصواتا تأتى من الصدى
اسمع اسمك، وقل: أنا هنا،
أيتها الفوضى الجميلة
التى تقتلنا بشهوة بكل ما أوتيت من حب.
(8)
اليقين هو ما يخلق غريزة إضافية للجسد،
ولكنها غريزة لا تروض،
لذا تتركك دائما فى صراع
لا تعلم من أين يأتى الدم/الجراح التى تفتح مسارات هروب للروح، والخوف، واللذة التى تنتشى بانطفائها، والألم حين يتغذى على الملل والرتابة، والجوع العميق حتى تصل لتذوق مضغة القلب فى تكونه البدائي، والمشى طويلا داخل شوارع القدمين بلا جدوى، والعبور من ممر العظام الضيقة للصدر، ولكنك تخلعها مضطرا للوصول للجسد النقى ....
فتنزف كثيرا من الوقت،
تنزف حتى تقترب من حافة الوقت وتنظر للأسفل فى رعب،
وأنت ما تزال تعوى بغريزتك القديمة
التى تعجز عن إنقاذك من الضياع..


عبد الغفار العوضى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى