محمد بشكار - رسائل الكفران.. (الجزء الأول)

- 1
أحد أسباب عُقمنا الوصاية أو بعبارة أخرى وضْعُ اليد، وما أغلظها يدٌ على كاهلٍ ينوء بحمل متاعب الحياة وتزيدك ثقلا، حتى أننا تعودنا القول لأحدهم يضع يده على كتفك زَجْراً: (قِنطارْ ولا يدُ بشرْ)، وهي أشبه بالمقولة التي تعتبر شعرةً سقطت في العين أثقل من جبل..!
وحين نمعن التأمل باحثين عن أسباب تأخرنا نجد أن بعضها هو آفة وضْعِ اليد، أو بتعبير آخر فرض الوصاية الذي يجعل كل من تقدَّم في العمر وصيّاً على من دونه سِنّاً رغم أنه يفوقه أسناناً بطاقته الحيوية وكفاءته في الشغل والتفكير ولو مرَّ في الحديد طحنه، والأفظع أن تتجاوز الوصاية الدنيا لتصدر بأفكارها المُتجبِّرة من الآخرة فيصير بعض الأموات أوصياء على الأحياء..!
-2
لو كان المَعرِّي يعيش زمني لكتب عِوض رسالة الغُفْران المُتنعِّمة في فراديسها، رسائل الكُفْران التي تجعل كل من يقرأها يصْطلي في الجحيم، لذلك حين تصِلني بعض الرسائل فإنني حذِراً لا أصِلُها، ربما لأن أفكارها مُعلَّبة في صندوق ليس في متناول أفكاري، و لكن هذه المسافة المُتوتِّرة لا تُفسد في التواصل بريدا..!
-3
لا أحبُّ الارتداد بالذاكرة خشْية أن تحرمني من عيشِ واقعي وتجعلني عنه مغترباً، ولكنها بنتُ الحرام تختزن واقعاً أجمل لا يمكنني في كثير من الذِّكريات إلا الاستسلام لأحلامها في اليقظة راضخاً، لذلك لا أعجب حين أرى أحدهم يُحرِّك شفتيه مُتمْتِماً أو يُصدر حركاتٍ بيديه يَمدُّهما فلا يَنوبُه إلا قبْضُ السراب، حينها أوقن أن المُخاطَبَ الذي يُحدِّثه ولا نراه إنما قابعٌ في الذاكرة قد يجعلنا خارجين ليس فقط عن كل السياقات الاجتماعية المحيطة بنا بل نبدو خارج عقولنا أيضاً..!
4-
لا يتسوَّلُ كتاباتِ الآخرين لِكتاباته إلا مُعْدَمٌ إبداعياً فقير..!
5-
النَّقد الذي يُعرِّي رداءة بعض الأعمال الأدبية قدْ يُثير شهيَّة القُرَّاء لقراءتها، مِمَّا يجعلنا حائرين هل نلْزَمُ الصمت إزاءها أو نُقاربها مُثرْثرينَ لنزيد في انتشار رداءتها فتعُمَّ الجميع بدل الفائدة تلك الرائحة..!
6-
ماذا لو اقْتَرفنا الأخطاء في اللغة بدل أنْ نُخْطىء عاضِّينَ بعضنا البعض، واستبْدلْنا كَسْرَ الخواطر وجَرَّ الشُّعور بفتْحِ الذِّراعين ضَمّا غنيّاً عن كل إعرابْ..!
7-
حين تتضخَّم الأنا في أحدِهم تحْجُب رؤيته فلا يرى أحداً سِواه..!
8-
أعلمُ أنَّ النَّصيحة مُوجعةٌ و تكون تبِعاتها على من يُسْديها بتكاليف باهظةٍ أبسطها التهميش والحِرمان من الدعوات بدافع الانتقام، ولكن ستكون أشدَّ وجعاً لو تركتُ هذا الفساد غير الثقافي حبيس نفسي، فالهواء النقي لا يجد مكانا ليشغله في أجسادنا إلا بإطلاق الغازات..!
9-
العُرْسُ ليس حفلا في نظر الجميع، فثمة من المدعوين لألمٍ في قلبه يراهُ مأتماً..!
10-
أفْظع الأصدقاء من تكتشفُ متأخِّراً أنه من الأعداء حين يُفشي عداوته معك لأوهى الأسباب كي ينال تعاطف الناس، لا لشيء إلا ليعوِّض حرمانهُ الرخيص ببعض الدعوات التي هزَلتْ وَسَامَها كلُّ مُفلِسٍ..!
11-
الرِّواية التي تُروِّج لنفسها أبلغ أثراً في المكان وفي كلِّ الأزمنة من الرِّواية التي يُروِّج لها كاتبها حتى قبل أن تُطبع..!
12-
أختار عناوين كتاباتي بالعناية الإستراتيجية التي أختارُ بها عنوان مَسْكني..!
13-
وأنا شاخصٌ بعينيَّ للتِّلفاز دون أن أتفرَّج فقنواتنا المغربية مبعث شُرودٍ وضجر، لمحْتُ خبراً في الشريط الأحمر المتحرِّك أسفل الشاشة يُخبرنا نقلاً عن معهد باستور، أن المصْل واللقاح ضِدَّ داء السُّعار متوفِّرٌ بكمية كافية لسدِّ الحاجيات الوطنية، لا أعرف ما المقصُود بــ (الحاجيات الوطنية) التي أوْجدتْ لها الحكومة ما يكفي من الدواء لعلاج داء الكَلَب، ولكنني بتُّ أعرف جيِّداً مَنِ المسْعورُ بعد العصا التي انهالتْ في الشارع العام أمام أنظار العالم على الأساتذة المُضْربين رفْضاً لنظام الاشتغال بالعُقدة محدودة الأجل والتي ستنتقل عدْواها بأفظع العُقَد انْفِصاماً إلى نفسية التلميذ مِمَّا سنحتاج معه لمصْلٍ آخر يُحارب داء الضِّباع..!
14-
أنتَ منشغلٌ بحياتكَ الخاصَّة تُعالج مشاكلها وهو منشغلٌ بظَهركَ يُعاجِلهُ طَعْناً..!
15-
يكرهُ الانتظار ليس في الحب طبعا لِذلك تجده مع باقي المُغْرمين منتظرا كل العمر، و لكنَّه يَمْحُضُ الانتظار مَقْتاً في أشياء الحياة و شؤونها اليومية، فما من شيء بدأه رأى على يده اكتمالا، صار هو نفسُه مُؤجَّلاً فحظي بمرتبة كل القضايا المصيرية المؤجلة في هذا البلد..!
16-
أن تصنع لامرئٍ مشكلة تجعله مُتخبِّطاً في أحابيلها لِتصْرِفه عمَّا يُهمه إلى ما لا يهمُّه ذلك فنٌّ لا يُتْقنه إلا دُهاة العالم..!
17-
الشَّاعر صار شارعاً نَعْبُره بأحذيتنا في الغُدُوِّ والرَّواح وهذا في الثقافة أضعف اعتراف..!
18-
انفلتْ ولا تلتفتْ.. عنوان ديوانٍ فمن يملكُ ساقين في خِفة الرِّيشة يَسْبِقْهُ قبل أن يسرقه أحدهم لأقرب دار نشر..!


محمد بشكار

(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 28 فبراير2019)





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى