محمد بشكار - رسائل الكُفْرانْ..! (الجزء الثاني)

1
تتغيَّر الكلمات وتبقى الأحرُف ثابتة في تَحوُّل الكلمات، كذلك ملامح وجهي تبقى محفورة بسيمائها إلا أنه مع تصرم الزمن أصبح في كثير من صوري لا أشبهني، ولا أجد حرجاً في القول كلما طلب أحد الزملاء أن أُرْفِق مع مقال يريد نشره صورتي الشخصية: هذه صورتي فإذا لم تُعجبك اسْتبدِلها بغيري..!
2
يكتبُ الناثر ما يكْبِتُه الشاعر كَمنْ يُذرِّي من الجذوة ما تبقَّى من رماد..!
3
بعض الناس تستمرُّ حسناتهم في الوصول إليك بدون انقطاع كالدعاء الذي يصل للميت مع قصْعات الكسكس للجياع..!
4
ذلك الرجل أعرفه ويعرفني، ولا أذكر أنه وقف مع أحد من الرجال طيلة حياته أو مماته وقْفة رجل ولو كذباً، ولكنه كلما استُدعي في أحد اللقاءات لالتقاط صورة جماعية انزاح بين سطْر وآخر في الصفوف وانحاز واقفاً إلى جانب أقرب أنثى، ليس لأنه (فيمينست) يناضل مساندا الحركة النسوية، ولكنه يتربص بضحية جديدة يتزوجها في نفس يوم طلاقه من المرأة الخامسة..!
5
للذين يقولون إنَّ الحُب دِينٌ وهم فانُون عشقاً في أنفسهم مِمَّا يَحُول دون حُبِّهم لغيرهم مُتَّخذين أحد الناس معبوداً، لكل هؤلاء أقول: سدِّدوا ما بِذمتكم قبل أن تصيروا بِذمَّته لمن ضحُّوا لأجل رخائكم سواء في السجون أو المنافي خارج الوطن، إنَّ الحُب قبل أن يكون دِينا هو دَيْن..!
6
المُقاربة النقدية للنص الأدبي آلةٌ من آليات التحليل يجب أن يمْتلكها الناقد بسعة الاطلاع والتحصيل العلمي كالآلة التي يتخذها المسافر من السيارة أو القطار أو الطائرة ليقترب من الأماكن النائية، والنص الأدبي ناءٍ أيضا في معانيه ومبانيه، أما من يدَّعي المقاربة النقدية مُوَظِّفا عِوض الآلة لساناً يُحركه في فمه بقالَ وقال.. فأقصى ما سيصله بهذه الدابة التقليدية هو أن يستجمع مقالة، وقد أسْموها مُدَارين ترهُّل هذا الصنف من الكتابة المُسْهِب في أحكام انطباعية لا تخلو من ذاتية مريضة، بالقراءة العاشقة، وشتَّان بين العِلم والحُلم مع الإقرار أنَّ كُل عِلم لم يصل لِما وصل إليه إلا بكُشوفات الحلم..!
7
لا أملكُ ولساني أخرس إلا أنْ أقول لبعضهم: لقد أسأتَ فهْمي ولكنَّني فهمتُ الإساءة..!
8
بعضُ مُدَّعي النِّضال بالثقافة أشبه ما يكونون بمن يدُسُّون الحشيش في التبغ وتفضحهم رائحة الدخان، وليتهم يبْرمون اللُّفافة دون أن يطبخوا تحت الموائد مِلفَّات كيْدية تخدم مصالحهم الشخصية وتُوقع الأنقياء في حسنات أعمالهم، صحيح أنَّهم لا يعرفونني مُتجاهلين، بل أُصبح غير مرئي لأنَّهم كلما صادفوني في الطريق أطْبقوا الجفون، ولكنني أعرفُهم واحداً واحداً من طريقتهم الإقطاعية غير الإقناعية في التَّلْويح مُتكلمين بأياديهم ألسنةً في الهواء، فأعلم أنهم يحاولون عبثا أنْ يوصلوا ما لن يصِلْ..!
9
قلبكِ: اترُكيه ينْبض في كل مكان لكن حافظي عليه بداخِلك..!
10
ليتكَ تُمْعِنُ النظر في طفل وهو يلعب سترى الجدِّية بادية الملامح على وجهه، كذلك الشاعر وهو يكتب يجب أن لا تُفارقه روحٌ تحترم قوانين اللعبة، ولكن بالجدِّية التي تُنتج نصاً ناضجاً يجعلنا نُفرق بين اللهو واللعب..!
11
هل يعرف الموتى ممن كانوا في حياتهم السابقة مُمدَّدين بمواقع التكاسُل الاجتماعي، أن القيامة التي عاشوا لمَقْدِمها مُتعبِّدين قد أزفتْ.. وأنَّهم اليوم صاروا مبعوثين أحياء في فيسبوك الذي يُحيِّن بعد ثلاثة أشهر أو سنة كل الذكريات التي عاشوا أسعدها أو أتعسها في ما يُشبه الحِساب، لم يبق إلا أن نتبيَّن جميعا في سديم هذا الغمْر العظيم الصِّراط لنضع مع عملية الفرز أول خطوة عبور نلتقي إنْ شاء الله في الجنة..!
12
بوجود الشيطان لا تتوقعوا منِّي أن أكون ملاكا..!
13
لو أعدْنا قراءة كل الإرث الإبداعي والفكري للذين توقفوا عن الكتابة بعد أن التَهمتْه بالنسيان المِحْرقة، لَعلمنا أنهم كانوا يحلمون بوطن أشسع من الحيِّز الذي تُتيحه الورقة..!
14
أولئك الذين كانوا يسْتعجلون في أمانيهم السفر لخارج البلد، عاشوا كمَداً حتى تحققَّ جزء من الأمنية حين رأوا جُزءاً فقط من الجسد مُسافراً في زجاجة كما لو في حقيبة ديبلوماسية لأوروبا، ليس للسياحة طبعا ولكن ليخْضع للتشريح الدقيق في مختبر التحليلات الطبية..!
15
بعْضُ الشُّعراء كلَّما تقدَّموا في العُمْر تأخَّروا في الشِّعر وازدادتْ قلوبهم غِلظة..!
16
كان خطيباً بعِدَّة أفواهٍ لكأنَّ الكلمات تَصْدُر من رشَّاش دفعةً واحدة، ومن تُصِبْهُ في وتر حسَّاس بفؤاده تُرديه جثة هامدة، وكانت عبارة (نحمل هذه الأمانة) أكثر تردُّدا على لسانه الرَّطب، ويجعلنا تَردُّدُ ذبذباتها القوي نمنحه الثقة ولو كُنا أحْوج منه إليها عسانا نستردُّ الثقة في أنفسنا، وما زال يُكرِّر على مسامعنا عبارته الأثيرة والمؤثِّرة (نحمل الأمانة) دون أن يجد من يحمله على الأكتاف حين سقط يوماُ صريعا من منبر الخطابة بعد أن اسْترد الله الأمانة..!
17
قد أنْقطِع عن كتابة الشِّعْر ولكنَّني لا أنْقطِع عن البقاء بِمنْ حولي شاعراً..!



محمد بشكار


(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 11 يوليوز 2019)


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى