سعيدة عفيف (لا أَعْرِفُ أَنْ أَكونَ أَحَدا) .. و (الإنسان نفسه قضية كبرى).. حاورتها : بشرى رسوان

( أمْضِي وَحيدَةً
لا أَعْرِفُ أَنْ أَكونَ أَحَداً
وَ أَمْشي عَلَى قارِعَةِ الْجُنونْ
أَرْسُمُ ضَحِكاتٍ في الْهَواءْ
وَ أَشْياءْ .. أَشْياءَ مَا)


-* من أنتِ؟

قد يكون الجواب على هذا السؤال من الصعوبة بمكان، خصوصا لمن لا يحب التحدث عن نفسه، وقد تكون أعمال الشخص معبرة كثيرا في هذا الباب عمن يكون إنسانيا وكيف أفاد الإنسانية في مجال من مجالاتها بوجوده وعطائه.. لكن وبما أنه لم يصدر لي حتى الآن سوى عمل واحد، السنة الماضية، وهو ديوان شعر تحت عنوان: " ريثما..." سيليه إصداران في القصة والرواية.. فقد لن يكفي ذلك في التعبير عن شخصي، لكن وبكل بساطة أنا من النوع البسيط جدا، لا تستهويني المظاهر كثيرا.. أعشق الجمال الداخلي العميق الذي لا تحده حدود أو تعقله قيود.. وحده يستطيع أن يحرك ما تخمده الانشغالات الحياتية اليومية، وحده يبعث على استخراج شحناتنا بشكل من الأشكال الجمالية. أجد نفسي عندما أحمل كتابا أو حينما أكتب شيئا بكل عشق لذاتي وللآخر ولهذا الكون الذي نحن بعضٌ من مكوناته.. أحب أن يكون الشغف رفيقي وأنا أقوم بأي شيء.. فلن يكون كما أبغي له ما لم أبثه شيئا من روحي، همي الوجودي حزني وفرحي، تعقلي جنوني وهوسي، ومن هنا قد تكون لي بصمة مختلفة على بساطتها.


-* الطفلة سعيدة عفيف والشقاوة؟

وأنا طفلة، نشأت في بيت بسيط، من أم رعتنا بكل ما استطاعت، بسهرها الدائم على راحتنا وبفيض حنانها حتى الآن. ومن أب كان رجل تعليم، يترجم حنانه الكبير ومسؤوليته تجاهنا بصرامة في تعليمنا وتربيتنا، فالشقاوة كانت ممنوعة إلى حد ما، رغم أننا نجد بعض الفلتات في غيابه لنمارس قليلا من شقاوة طفولتنا في البيت تحت أنظار والدتي. لكن بين الفترة والأخرى، تستبدل الشقاوة بهدوء تام في رحاب خزانة صغيرة للكتب، كان يوفرها لنا أبي بالبيت.. وهناك، بتلك الواحة، قضيت أجمل الأوقات بفترة المراهقة...


-* مراكش الحمراء ما الذي تمثله لك؟

مراكش الحمراء، كانت الفضاء الرحب الذي ولدت وتربيت فيه، بكل زخم أحيائها العتيقة وعبق تاريخها النابض، بشمسها وصفاء طقسها، بشجرها ونخلها الشاهق، بروائحها، وبفضاءاتها الخضراء، كمنتزه المنارة وحدائق أكدال التي كانت العائلات تقصدها أيام العطل لقضاء النهارات الربيعية الجميلة تحت فيء الأشجار وكل ما يتخلل ذلك من أكل وشرب وترفيه وتسلية.. قبور الملوك السعديين وقصور الحمراء: البديع والباهية، وأبوابها ورجالاتها السبعة وأولياؤها وسورها ورياضاتها ... مراكش تسكنني وهي بالنسبة لي أم رؤوم ووطن.. وأنا لست سوى جزء صغير من هذا الكون الشعري الجميل الذي هو الحمراء.


-* لمن قرأت الشاعرة سعيدة عفيف؟ وبمن تأثرت؟

كثيرون هم الذين قرأت لهم، فمذ كانت القراءة ملاذي ومذ وعيت على أن "خير جليس في الزمان كتاب" وأنا أقرأ كلما تيسرت لي تلك المتعة.. كما أن الشبكة العنكبوتية الآن صارت محفزة أكثر للقراءة، إذ أننا نقرأ بشكل غير إرادي أو اختياري كل ما نصادفه وكل ما تقع عليه أعيننا.. مع الكتاب الورقي كنا نقرأ بإيحاء من الحكمة التي تقول، استفد مما تقرأ، رغم أننا كنا نختار غالبا ما نود قراءته ولكتاب معينين في مراحل معينة.. فتَوفُّرُ الكتاب الإلكتروني شجع كثيرا على القراءة لكتاب من مختلف الأعراق والأجناس والقارات.. الشيء الذي جعل القراءة تنفتح على عوالم مختلفة خفية سحرية غريبة جميلة في آن واحد.. لكل هذا، لن أستطيع الجزم حين الحديث عن تأثري بكاتب أو بآخر.. لا شك أننا في هذه الرحلة الممتعة نتأثر بكل جميل وبشتى الطرق، وبشكل لا واعي أيضا، إذ لا يمكن حصر التأثر بكتّاب دون آخرين، أو التفضيل فيما بينهم، ابتداء من الكتاب الكبار أو الرواد حتى الآن، والجميل في كل ذلك أن ما نقرأه بوعينا يترك في لا وعينا ما يمكن أن نكوِّن به عوالمنا الخاصة أثناء الكتابة، وفق رؤية معينة للعالم والأشياء.


-* تذكرين بالتأكيد أول قصيدة نشرت لك. متى كان ﺫ-;-لك؟ وأين؟

لم تكن أول قصيدة نشرت لي هي أول قصيدة كتبتها، قصيدة: "شطحات" هي أول قصيدة تنشر لي بجريدة جهوية هي جريدة: صدى الحوز، وبالمناسبة أشكر السيد مدير الجريدة الشاعر المائز والإعلامي المتميز علاء كعيد حسب، الذي أفسح لي حيزا بجريدته، وكان ذلك من سنتين على ما أذكر، أتمنى له المزيد من التألق والنجاح. أما إلكترونيا فقد نشرت قصصا وقصائد بمنابر أدبية ثقافية عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: الحوار المتمدن، منتدى مطر، مجلة المثقف، مجلة ألف، مجلة الكلمة نغم، مجلة عاطف الجندي، مجلة ناس مراكش، مجلة بابل للثقافة والإعلام .. إلخ من المجلات الأدبية الالكترونية الأخرى.


-* الشعر هو ذاكرة العرب. من يقبل على الشعر الآن؟ و من يدفع مقابل ديوان أو رواية؟

الذاكرة ثقل كبير ومسؤولية جسيمة لم يعد يتحملها الشعر وحده في مجتمعاتنا الحالية. فالعلوم على أنواعها والفنون والآداب بكل أجناسها، بما لحقها من تقدم وتطور، من شأنها أن تؤرخ الآن لوجود الإنسان على الأرض. لأفكاره وقلقه وطموحاته وآماله، وما يخلفه من منجزات تتولى فيما بعد الحديث عنه.
ولقد كان الشعر وما يزال في قمة الأجناس الأدبية تكثيفا للمعاني واختزالا وانزياحا وصورا شعرية ومخاطبة للوجدان وجموحا نحو الحلم بلغة شعرية تخرق الاستخدام العادي والمألوف والسابق للغة متوخيا الدهشة التي تستمر كخدر لذيذ مع كل قارئ متذوق للشعر، غير أن علاقة الشعر مع القارئ غدت باهتة وضعيفة، إن لم نقل تكاد تكون منعدمة إلا من إسهامات المهتمين في هذا الجنس، ويرجع ذلك لعوامل شديدة التعقيد، منها تدني مستوى التعليم والنفور من اللغة العربية التي نكتب بها الشعر الفصيح.. وعدم تحسيس النقاد القارئ وبشكل مبسّط لهذا النوع الأدبي، حتى يزداد الإقبال على قراءة الشعر، وتتكون عند القارئ تلك القدرة على التمييز بين الغث والسمين، فليس كل ما يُكتب ويُنشر يتحمّل صفة شعر. الإعلام بدوره مقصر في هذا الباب.. يقدم لمجتمع مستهلك كل المنتوجات التجارية ويهمل المنتوج العلمي والفكري والأدبي، كما أن المساحة الزمنية التي تخصص لبعض البرامج الأدبية والفكرية، لا يكاد المشاهد يذكرها أمام الزخم الإشهاري الذي لا يخاطب فكر المشاهد وروحه.. ولا شك أن ما يعاني منه الشعر يمس القصة والرواية وباقي الأنواع السردية الأخرى. فمن سيدفع والحالة هذه مقابل ديوان أو رواية؟ إذا ما اعتبرنا القلة القليلة التي تقوم بذلك ندرة والنادر هنا لا حكم له، فالمطلوب هو تحقيق المعادلة مع مجتمع يقرأ.


-* يقول أدونيس عن قصيدة النثر إنها (كلمات عادية مشحونة بطاقة غامضة ـ شكل يجري فيه الشعر كتيار كهربائي عبر جمل وتراكيب لا وزن لها ظاهريا، ولا عروض ـ عالم متشابك كثيف مجهول غير واضح المعالم)
في حين يرى البعض أنها مجرد مسخ أدبي جديد (مستورد ودخيل) على الشعر العربي جاء نتيجة لتأثر بعض الأدباء بالقصيدة الغربية. كيف ترى سعيدة عفيف قصيدة النثر؟

أميل أكثر إلى ما يقوله أدونيس عن قصيدة النثر، رغم أن قصيدة النثر ظهرت منذ القرن الثامن عشر لدى الغربيين كما جاء في كتاب سوزان برنار " قصيدة النثر من شارل بودلير وحتى الآن" حيث إن أول من استخدمه هو إليميرت سنة 1777، لكن هذا لا يعني أن أن قصيدة النثر العربية مجرد تأثر بالأدب الغربي وأنها تدين له بوجودها، بل لأن ضرورة العصر فرضتها كشكل أدبي معبر بقوة عن ملابسات ظرفه الحالي، ثم لأن الشعرية الحقة لا تتوقف عند وزن أو إيقاع، فنجد قصيدة النثر منفلتة من أسر الوزن الشعري، لتجمع في آن واحد بين الصور الجمالية والتخييل والرمز والرؤية المكثفة حد الغموض والإيقاع الباطني والرؤيا الشفيفة العميقة وقوة الكلمة وإشراقها وجماليتها، وبين تحررها من قيود الأوزان لتتحرر لفظيا وتركيبيا ومن ثم لتعطي حرية أكثر ودلالة أكبر على مستويات الفهم. فقصيدة النثر جاءت لتؤسس لجماليات جديدة.. لخلق علاقات جديدة بين جمل النص وألفاظه .. لخرق تلك العلاقات الكلاسيكية بين مكونات اللغة ولإعطاء اللفظ معان أكثر توهجا وإشراقا ودلالة، ليتحقق مع هذا الجنس الأدبي ذلك الإيقاع الباطني الذي يحقق بدوره ذلك الانتشاء وذلك الانخطاف أو تلك الدهشة التي نبحث عنها جميعا ونحن نقرأ الشعر الذي تكتمل فيه كل هذه الشروط، إذ ليس كل ما يكتب الآن وما يمكن أن نقرأه على النت مثلا يحقق هذه المتعة. فنحن نفتقد روح الشعر في كثير مما نقرأ.


-* الشاعر (عبد الرحمان المجذوب) يعتبر من رواد الشعر العامي المغربي. هل حاولت سعيدة كتابة الشعر العامي أو الزجل؟ وكيف ترى تجربة (بوجميع) كفنان وزجال استطاع خلق جمهوره الخاص؟

عبد الرحمان المجذوب، هذا القطب الكبير والشاعر المتصوف الحكيم الذي ترك لنا أزجالا كثيرة وأمثالا شعبية خصوصا منها رباعياته، نستشهد بها ونتخاطب بها في حياتنا اليومية.. من لا يذكر منا بعض أمثاله حين يقول:
سوق النّْسَا سوق مَطْيارْ
يا الداخل رُدّْ بالك
يْوَرِّيوا لك من الربح قنطار
ويَدِّيوْ لك راس مالك
عيَّطت عِيطَة حنينة
فيَّقْت من كان نايم
ناضوا قلوب المْحَنَّة
ورقدوا قلوب البهايم...

وهو يعتبر مرجعية وازنة للزجل المغربي.. فلقد كبرنا في وسط شعبي يحتكم لهذه الأمثال لأنها صادرة عمن خبر الحياة أكثر وعلم خفاياها، فألهمته حِكَماً وأشعارا قد لا نقول أفضل منها حينما نكون بالموقف نفسه. ناهيك عن شعر الملحون وهو زجل ينتمي للغة سامية وسطية ترقى عن الكلام العامي المتداول وتقترب من الفصيح، هذا الفن الذي رافقنا منذ الصغر وما يزال تأثيره قوي في تكويننا الاجتماعي والنفسي. شخصيا حاولت أن أكتب في الزجل على سبيل الاستئناس فقط، لكنها محاولات لم أوليها كبير اهتمام فضاعت، لأنني كنت ميالة أكثر للكتابة بالفصحى، فعلاقتي الجمالية بالفصحى أمر يخرج عن إرادتي في ألا أكتب إلا بواسطتها.
أما "بوجميع" فهو فنان مسرحي وزجال أعطى بسخاء وبصدق رغم أن الموت لم يمهله ليعطي الكثير لمجموعة ناس الغيوان وللمغاربة.. أعطى لجمهور كان وقتها في أمس الحاجة لسماع شيء يحركه من الداخل، ليغازل تلك النار التي كانت لا تنطفئ في قلوب الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، والزوجات اللائي فقدن أزواجهن خلال سنوات الجمر بالمغرب. كان بوجميع أحد مبدعي كلمات تلك الأغاني التي كانت تغني لنا المخيلة الشعبية وهمَّها آنذاك، والتي كانت تصدح بها هذه المجموعة التي كانت بمثابة الصوت الثائر الذي زامن سنوات الرصاص المغربية، والقلب النابض لجميع المغاربة. ولأنهم مجموعة صادرة من عمق المجتمع، تغنوا أيضا بأشعار سيدي عبد الرحمان المجذوب، إذ هم أنفسهم مجاذيب رفضوا التحزب السياسي والوصولية، مكتفين بالتغني بجراح الوطن ومواجعه، وبقضايا العرب خاصة القضية الفلسطينية، فجاءت أغانيهم مليئة بالأسى. مَنْ منا لا يردد أغانيهم التي أصبحت عالمية رغم كلماتها العامية فالكل يفهمها ويتذوقها، حتى أننا نجدها موضوعا في الأعمال الأدبية لبعض الأدباء، وخير مثال على ذلك الروائي الكبير واسيني الأعرج الذي وظف أغانيهم بشكل جيد هادف في روايته: " جملكية آرابيا " كما كان لحضور عبد الرحمان المجذوب حيزا فنيا كبيرا بهذه الرواية. ومن أغاني ناس الغيوان أغنية: "ماهَمُّوني" والتي كانت لأجل فلسطين وهذا مطلعها:
ما همُّوني غير الرجال إيلا (إذا) ضاعوا
الحيوط (الجدران) إيلا (إذا) رابُوا (تهدموا) كلّْها يبني دار
ما هَوْلوني غير الصبيان مرضوا وجاعوا
الغرس إيلا (إذا) سقط نُوضوا (لنقم) نغرسوا أشجار


-* أحيانا يصاب القلم بحالة من الجفاف. متى عاشت سعيدة لحظة مماثلة؟ وهل اهتزت ثقتها في نفسها؟

كثيرا ما يصاب من يكتب بهذه الحالة، ولست استثناء، فحاجة الروح تكون ماسة للكتابة دائما، خصوصا حينما تعز الكتابة وتتمنع ويجف القلم، فنشعر لفترة بذاك الوجل والتوتر النفسي كأننا نمشي في نفق مظلم تستحيل معه الرؤية، فنحسب أننا لن نعود إلى الكتابة أو أنها لن تعودنا مجددا، لكن ليس إلى درجة اهتزاز الثقة بالنفس، لأن حالة العسر والقلق عابرة تعترينا بين فترة وأخرى، إذ نكتشف بعد ذلك أننا ما زلنا قادرين على العطاء وبشكل حتى أفضل من السابق.. لأن فترة التوتر لم تكن إلا مخاضا أصعب من كل المخاضات السابقة، تولد منه الكتابة المبدعة في أبهى أشكالها.


-* هل تقبلين على الأدب الأجنبي؟

الأدب إنساني صرف كالفن عموما، نقبل عليه أيا كان موطنه وجنسيته، ولهذا يجب علينا الاطلاع بقدر المستطاع وكلما أمكن على التجارب الأدبية الأجنبية، لكي لا نكون في معزل عما يجري بالعالم من تطور في مجال الإبداع الفني والأدبي والنقد والتنظير والتناول المعاصر للأعمال الأدبية بمختلف مشاربها.. والذوق العام أو الخاص الذي يكون صدى لموجات جديدة قد تنشأ هنا وهناك. كلها أمور يجب الاطلاع عليها في هذا المجال لأنها تخدم الأدب بالشيء الكثير. وبغض النظر عما يتوفر من أدب أجنبي في الأسواق، فالشبكة العنكبوتية تتيح ذلك أكثر مما لا يمكن أن نجده بمكتباتنا.


-* كيف تقرئين تجربة جمانة حداد ( سيجيء الموت وستكون له عيناك)؟

(سيجيء الموت وتكون له عيناك) للأديبة والإعلامية جمانة حداد، تجربة مختلفة وفريدة عن 150 شاعر وشاعرة من القرن العشرين غادروا هذا العالم منتحرين، أيا كانت أسبابهم وأيا كان قلقهم الشخصي وفكرة الخلاص المقلقة منه في اللجوء إلى الانتحار كحل أخير ولغاية من الغايات التي قد يتغياها المقدم على الانتحار بعد قيامه بذلك، هو كتاب مفيد لكل مهتم بالأدب والشعر، ومرجع مهم ل 150 شاعر من بلدان مختلفة، لا يسعنا إلا نشكر الكاتبة على مجهودها في إنجاز كتاب من هذا الحجم.. كتاب تفوح منه رائحة الموت حقيقة، فليس مجرد ادعاءٍ قول جمانة إنها ماتت 150 ميتةً وهي تبحث في عوالم كل شاعر على حدة. لكن الشعر يفوح منه أيضا، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان. كما أن نهاية الكتاب تدرج أسماء أشخاص انتحروا ولم يكونوا شعراء بل رسامين ونحاتين وفنانين آخرين.


-* متى أحست الشاعرة سعيدة عفيف أن قلمها خدم قضية معينة؟

الإنسان نفسه قضية كبرى تتقدم كل القضايا الأخرى التي يمكن أن تشغل حيزا في تفكيرنا، إشكالية وجوده، همومه، تساؤلاته، طموحه، رؤاه المستقبلية، خلاصه، مآله .. إلخ من المواضيع أو القضايا الإنسانية التي تتغيى الإنسان كمحور وكغاية في هذا الكون.. وهذا على ما أعتقد يشكل القضية الكبرى التي تستأثر بكتاباتي عموما، وبأغلب قصائد ديوان "ريثما..." من غير إغفال لقضايانا العربية التي تفرض نفسها بقوة في كل ما نكتبه وتشكل انشغالا وهمّاً لا يمكن فصله أو تجزيئه عن الهم الإنساني ككل. ولعل قصائد "يا أرض" و"حوار سفلي" و"أحداث" وغيرها من القصائد بالديوان تتناول بشكل مباشر أو بشكل إيحائي القضايا العربية الملحة، منها ما أفرزته أحداث الربيع العربي من تأثيرات على النفس ومن ثم على الكتابة.


-* قبل فترة اقترح تلهيج التعليم في المغرب. كيف ترى سعيدة الخطوة؟

اقتراح تلهيج التعليم في المغرب، تكتنفه خلفيات وغموض، تساؤلات عديدة تفرض نفسها بحدة في هذا المضمار: هل تدنّي المستوى الدراسي ومناهج التعليم الفاشلة وما نسمعه في بعض القنوات من جنوح إلى استعمال الدارجة أكثر هي السبب في إبعاد اللغة العربية من التعليم؟ وحتى إذا أردنا أن نعتمد هذا التلهيج، فأي لهجة سنختار علما بأن اللهجة الريفية والمتوسطية ولهجة الأطلس الكبير واللهجة الحسانية بالصحراء وغيرها عدا عن الدارجة العربية كلها لهجات مغربية، فأي هذه اللهجات سنعتمد؟ وهل هذه الدعوة بريئة من العمل على خلق صراعات غير محمودة العواقب بين مختلف مناطق المغرب؟ وهل يمكن تجاهل تاريخ اللغة العربية في بلادنا باعتبارها تلك اللغة المنصوص عليها في الدستور والتي توحد الجميع؟؟؟ وهل المشكل في اللغة أم في مستعمليها؟ نعلم جميعا أن التطور يولد من داخل اللغة، واللغة العربية عرفت تطورا على مر العصور إلى أن أصبحت على ما هي عليه الآن. كما يجب الإشارة إلى أن الأعمال الأدبية منذ وقت طويل وهي تقحم الدارجة العربية، إما باستعمالها كما هي متداولة بالكلام الدارج العادي أو بتفصيحها، لتغني النص بما هو أصيل ومحلي وتراثي من الأدب الشعبي والذي من شأنه أن يحمل العمل الأدبي إلى العالمية ويعرف بما هو مُثْرٍ في موطنه الأصلي. وهذا أمر محبب ومرغوب فيه. غير أن الإقدام على تلهيج التعليم وإقصاء اللغة العربية كوسيلة للتعلم، لا يخلو من مخاطر، وإذن يجب التريث قبل اتخاذ أي قرار قد يعود سلبا على مناهج التعليم في بلدنا التي ما تزال تعاني الكثير جراء مخططات الإصلاح التي لم تؤتى أكلها بعد.


-* ما تقييمك للإصلاحات التي عرفها ميدان التعليم في بلادنا؟ هل هي كافية برأيك؟

أعتقد أن كل إصلاح في أي مجال من المجالات، وليس في التعليم فقط، يجب أن يعتمد على تشخيص عميق وواقعي من طرف كل الأطر العاملة والمسئولة في أي من هذه القطاعات، لا من طرف مسيريه ومنظري الإصلاح فيه. حينها يمكن أن نتحدث مثلا في قطاع التعليم، عن إصلاح جذري وناجح لأننا استطعنا أن نشخص الخلل الذي يعتري المنظومة التعليمية ككل، فمشكل الإصلاحات بالمغرب نعيشه منذ عقود بعيدة، أي منذ 1958 إلى 2012 ضمن جملة من السياسات والمخططات التجريبية الفاشلة التي لم تفد هذا القطاع بشيء، بل خلقت لدى المتعلمين نفورا ومن ثم هبوط مخجل في المستوى التعليمي، وأدت إلى ضعف في المنظومة التربوية ككل. ومن ذلك مشكل التعريب والازدواجية اللغوية والمغربة وكل ما يتعلق بها، ومشكل تشجيع القطاع الخاص على حساب القطاع العام ...إلخ. فمن أجل النهوض بهذا القطاع ولكي يؤدي دوره التنموي بشكل فعال، يجب أن نركز على الجانب البشري وعلى المعرفة الممنهجة التي تراعي خصوصيتنا الاقتصادية والحضارية، ولكي تتكافأ الفرص بين الغني والفقير في مجتمع كفة فقرائه وبطالييه راجحة، فلا مناص من مجانية التعليم. ومن مخاطبة هذا الشعب بلغته الأقرب منه، وهذا الدور المنوط بالتعريب.


-* حادثة ( شارلي ايبدو) أعادت إلى الأذهان أحداث الحادي عشر من سبتمبر. برأيك لماذا خصص الإعلام العالمي مساحة كبيرة للحدث؟ وهل يمكن الحديث عن حيادية مهنية؟

من القديم جدا، والإنسان عموما يحتفل بمقدساته ويرفض بشكل جذري المساس بها أو انتقادها بالشكل الذي يبعث على التشكيك فيها أو على النظرة الدونية لها، وبالتالي على الكراهية والعنف الذي يتفجر في سلوكيات مجنونة ومتطرفة.. فحرية الانتقاد يجب أن تعترف بحدود وتحترمها لتؤدي دورها الإعلامي كما يجب ولتتحاشى كل سلوك إجرامي أو ارهابي ناشئ عن استفزاز انتقادي تحقيري مُهين. وإذن، لا يمكننا إلا أن نتحدث بشكل متحفظ عن حيادية مهنية. والحالة هذه، أن هناك في ربوع العالم بأسره من أعلن أنه ليس مع شارلي إيبدو.. من هنا، يجب البحث عن الظروف والبواعث الحقيقية التي تنتج مثل هذا النوع من الجرائم الذي يستنكره الكل، والتي تسمح بنشوء التطرف والإجرام في مغفل عن السياسات وعن المجتمع المدني الذي ترعرعت فيه واشتد عودها، فما وقع بمجلة شارلي إيبدو جريمة شنعاء من طرف مجرمين متطرفين من شباب ضواحي فرنسا المهمشين المحتاجين ماديا والذين لم يكملوا تعليمهم، وهم أنفسهم ضحايا جهلهم تحركهم أيد خفية من منظمات متطرفة تكفيرية خارج البلد.. بغض النظر عن غايتهم ورسالتهم التي أرادوا إيصالها بطرقهم الخاصة وأيا كانت جنسيتهم ودينهم... هي فعلا جريمة نكراء راح ضحيتها ناس عزّل وصحافيون مقتدرون اُعترف لهم بمواقفهم في مساندة قضايا العدل والحق والقضايا العربية خصوصا منها القضية الفلسطينية.. إلخ،
أما تخصيص الإعلام مساحة كبيرة للحدث، فلأن الحادث وقع ببلد أوروبي بكل بساطة، بحيث يحدث بالبلدان العربية ما تقشعر له الأبدان وتدمى له القلوب وتنفطر بسبب جرائم التطرف الناتج عن دعم خارجي لنصل إلى خراب دامٍ تام ببعض البلدان العربية، والذي يهدف أساسا ووفق مخططات قديمة إلى انقراض ما يسمى بالإنسان العربي.


-* (في نفس الإطار) كيف تعرف سعيدة مفهوم الإرهاب؟ ومن سوق لهذا المصطلح؟

لا شك أن المغالاة في السياسات وفي الايديولوجيات وفي الديانات، سيؤدي حتما إلى تطرف شديد وإلى إرهاب، فالإرهاب هو القيام بمجموعة أعمال غير مشروعة، تتخذ الرعب والفزع الشديد والتهديد والعنف مطية لها لتحقيق أهداف معينة أيا كان نوعها بشكل غير قانوني.. ومنذ بداية الخلق بدأ الإرهاب والتاريخ يشهد بذلك. غير أن ما نلاحظه مؤخرا أن الإرهاب أصبح لصيقا بالمسلمين وبالدين الإسلامي، سوقت له جهات أو منظمات تكفيرية وشديدة التطرف مدعومة تعتقد أن الدفاع عن الإسلام لا يكون إلا بالأسلحة وكل أشكال العنف، فالتطرف والإرهاب عرفته مجموعات من مختلف الديانات والإيديولوجيات، على مدى العصور، على سبيل المثال لا الحصر، الحرب الأهلية الدامية التي عاشها الكاثوليك والبروتستانت وقبل ذلك بمئات السنين حوالي 431م بين النسطوريين، نسبة إلى نسطور، القائلين ببشرية المسيح، والمخالفين لهم، التابعين لكرلس الأول بطريرك الإسكندرية الذاهبين إلى الرؤية التقليدية التي تقول ببشرية المسيح وألوهيته في آن واحد، حيث نشأ إثره خلاف ومجازر لا تحصى. وإذن، فمن الأليق والأجدر بنا أن نعمل على إظهار صورة جميلة عن قيمنا وأخلاقنا وعن ديننا، وطالما عملنا على ذلك، ستترسخ هذه الصورة المشرفة في ذهن الآخر لتؤكد له بأننا لسنا إرهابيين مهما سعت المنظمات الإرهابية لتبيان ذلك ولشن الفتن وإشعال النيران هنا وهناك..


-* هناك غياب شبه تام للمكتبات... دور الشباب... دور السينما ... نوادي القراءة .. عن الأحياء. برأيك هل هو إهمال مقصود؟ ومن المستفيد؟

تلعب التوجهات والمخططات السياسية دورا كبيرا في تكريس هذا الإهمال، حيث نجدها تولي أهمية كبيرة للرياضة وللغناء مثلا على حساب نشر نوادي القراءة والمكتبات العامة بكل الأحياء وتعويد الناس على القراءة، إنْ كان عن طريق الكتاب الورقي أو الإلكتروني، فالتوجه إلى النت فرض نفسه بغض النظر عن آثاره السلبية على التكوين الثقافي للأفراد، يجب فقط حسن التوجيه وزرع الرغبة في المعرفة. وفي نفس السياق نلاحظ أيضا غياب دور الشباب ودور السينما والتي إضافة لكل ما ذكر تعمل على تحسيس الشباب وشد انتباههم إلى دور الفنون في نشر المعرفة والتنوير والوعي والانفتاح الجيد المعقلن على كل وارد. هذا الإهمال لوسائل انتشار المعرفة يسبب في تَنامٍ كبير للجهل والأمية وبالتالي للانحراف والتطرف والإرهاب، وكما ذكرت في أجوبة سابقة فقد تبث بما لا يمكن نفيه أن منعدمي الثقافة المهمشين هم المتعاطون للإرهاب وكل أنواع الإجرام. وهذا عطب وخلل كبير في الثروة البشرية الهائلة التي يجب استثمارها لأجل غد مشرق، إذ كيف يمكن لمجتمع غير مثقف أن يساير ركب الثقافة والحضارة العالمي بمنأى عن زاد الفكر والمعرفة. ولعل الاستمرار في هذا النهج وفي هذا الإهمال المقصود يعرض المجتمع والدولة إلى خطر محدق لن نحصد منه غير ريح عاتية تأتي على الأخضر واليابس.


-* باعتقادك الشخصي لماذا تعرضت المرأة المغربية للعديد من الإساءات سواء من خلال أعمال فنية عربية أو برامج؟

شَنُّ حملات تشهير بسمعة المرأة المغربية أمر مقصود من طرف الإعلام العربي وبعض الأعمال الدرامية والكرتونية والفيديوهات والبرامج التي تُبِين عن مستوى الوعي المتدني للعقلية الذكورية الرجعية المستفحلة والسادرة في عالم من ظلمات، والذي يزرع الضغينة والحقد بين الشعوب العربية، ويسوّق لصورة المرأة المغربية البعيدة تماما عن الواقع العملي. وفي غفلة تماما عن أن هذه الصورة الشنيعة تسيء إلى المرأة العربية ككل. نعرف جميعا أن كل بلدان العالم تشكو من فساد بعض أفرادها ولا يمكن بأية حال أن نُسقط ما قام به الجزء على المجتمع ككل. فعلى الإعلام أن ينظر إلى الأمور الجوهرية، بأن يعالج تحدياتنا الراهنة الحقيقية، هويتنا وقضايانا المصيرية تجاه ما يحاك في الخفاء ضدها. إذ ماذا ننتظر من إعلام ما يزال يستعمل المرأة في معزل عن عقلها وكفاءاتها التي برهنت عليها ويشهد العالم لها بها، بل أمعن في استغلالها كجسد راقص مثير للغرائز وكأنثى كل همها محصور في المطبخ والتنظيف والإنجاب؟ ماذا ننتظر منه وخلفه عقلية ذكورية عقيمة تسيره وتملي عليه كل ما من شأنه أن يفصل المرأة عن دورها الفعال في تنمية المجتمع على مختلف الأصعدة وعلى قدم المساواة مع الرجل؟ فما يقال من كلام كثير عن حقوق المرأة وإنسانيتها ومساواتها بالرجل وغيره في المنظمات الحقوقية وفي كل المحافل، يحتاج إلى تطبيق فعلي في ظل الواقع الذي نعيشه .. كي لا يبقى مجرد تغريد في الفراغ أو مجرد حبر على ورق.
ولا غرو أن المرأة المغربية ثارت ضد كل هذا الحيف في حقها وفي حق منجزاتها على جميع المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتربوية... التي حققتها وأهلتها إلى مراتب عليا خارج المغرب وداخله، وهكذا تمكنت من فرض احترامها وتقديرها على الجميع. وإذن نهيب بالإعلام العربي أن يغير من نظرته أو من نظرة القائمين عليه وألا يغفل عن وجود المرأة العربية القوي عموما والمغربية خصوصا، وأن يبرزها في الوجه المشرف الأفضل من أجل مستقبل متوازن أفضل.


-* من أشهر الروايات المغربية رواية (الخبز الحافي) ل محمد شكري. ما سبب وصولها للعالمية برأيك؟ ومتى ستقدم سعيدة على خوض تجربة الرواية؟

تعتبر رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري منعطفا كبيرا في تاريخ الرواية المغربية، حولت المعيش اليومي إلى أدب يسمّي الأشياء بمسمياتها بعيدا عن التلميح أو الإيحاء مع أسلوب فني صادم جميل يشد القارئ إليه لاختلافه عما كان سائدا. رواية تعبر عن ذلك الواقع الصارخ، التابو أو المسكوت عنه، عن واقع خرج من صمته. وهذا سبّب أيضا في مصادرتها لاحقا في معظم الدول العربية التي ترى في الكتاب جرأة لا تتلاءم والواقع العربي، ولقد كان لترجمتها من طرف الروائي الطاهر بن جلون إلى الفرنسية دور فعال في جعل محمد شكري كاتبا عربيا وعالميا في الوقت نفسه، لاسيما عندما تمت الترجمة إلى الإنجليزية.. وهكذا تصل الرواية في اعتقادي إلى العالمية.
وتعود تجربتي المتواضعة في الرواية إلى زمن بعيد، غير أن العمل بقي في الدرج لعقود إلى أن اكتملت الرؤية والصياغة النهائية له، يتعلق الأمر بروايتي الموسومة ب "موال أطلسي" والتي ستصدر قريبا.


-* هل تنشط سعيدة عفيف في المنتديات الأدبية على الشبكة العنكبوتية؟

لي نشاط أدبي في المنتديات الأدبية، أعتبر نفسي صوتا بين الأصوات الأدبية المتعددة، أتفاعل مع تجارب الآخرين، كما يتفاعلون معي أدبيا. مما يستدعي الحرص على هذا التفاعل الفني الذي من شأنه أن يعطي فنا وأدبا جميلا ومفيدا. أحاول أن أسهم في مجال الأدب بشيء مختلف قد يكون إضافة ذات قيمة أو لا.


-* لو فكرت سعيدة عفيف في عمل ثنائي من سترشحه كشريك؟

لو فكرت في عمل ثنائي، فقد أفكر بشكل عفوي في الشخص الذي تكون رؤيته الفنية قريبة من رؤيتي كي يأتي العمل متكاملا في تجاذب متناغم بين الرؤى والقضايا التي يطرحها وخاليا من التباعد والتناقض.. وفي هذا الباب، قرأنا أعمالا ثنائية، نذكر منها مثلا رواية: "عالم بلا خرائط" التي اشترك فيها الأديبان الكبيران عبد الرحمان منيف والأديب جبرا ابراهيم جبرا.. بحيث كانت عملا رائعا منسجما بلغة وروح واحدة وكأن الكاتب كان واحدا لا اثنين.


*- لمن تقول سعيدة عفيف (أغلق أﺫ-;-انك إذا كنت لا تستطيع إغلاق أفواه الآخرين)؟

من يستطيع إغلاق أفواه الآخرين غير مستبد ظالم، حتى أنه من غير العدل أن نسد فماً يعبّر عن صاحبه بالطريقة المثلى التي يراها تليق به. سواء كنا معه على اتفاق أو على اختلاف، ففي الاختلاف رحمة بطبيعة الحال، غير أنني قد أتجرأ وأقول العبارة لمن يحب أن يسمع صوته فقط.


-* ما وقع هذه الأسماء عليك؟

-أحلام مستغنامي: بالرغم مما أثير من ضجة حولها مؤخرا من أن أعمالها تدخل في إطار ما هو تجاري محض، فلقد قرأت لها ثلاثيتها ذاكرة الجسد، عابر سرير وفوضى الحواس، وروايتها الأخيرة الأسود يليق بك..وشيئا يسيرا من نسيان وبعض أشعارها بشغف كبير.. وكل ذلك يشد الأنفاس في ملاحقة الأحداث بأسلوب شعري أخاذ.

-فضيلة فاروق: أديبة جزائرية حملت هم الكتابة خارج وطنها، وفرضت نفسها عربيا.. تتميز بقلم ثائر جريء في تناول تابوهات العالم العربي..

-أدونيس: شاعر ومفكر وناقد كبير وهو من أغزر الكتاب إسهاما في هذه المجالات.. منجزه الشعري يشهد بقدر كبير من الإبداع والتجريب والتطوير في اللغة باستعمالها بعيدا عن بعدها أو مفهومها الكلاسيكي..
-عدنان الصائغ: قامة أدبية فذة.. نهر شعري من الأحزان والعذابات يغني بلده وغربته وجراحه ومواجع البشرية في كل كلمة بكل قصيدة..شاعر تكتبه القصيدة قبل أن يكتبها بدم القلب...
-سعاد الصباح: مثل نسمات الصباح، أشعارها رائعة عميقة إنسانية، متصالحة مع الذات والكون، ثائرة بنبل ومستفزة للقناعات الشرقية الزائفة التي لا تؤمن بالمرأة كإنسان قبل أي اعتبار آخر...
-أحمد مطر: شاعر كبير ناضل بقلمه المتمرد وكان شعره مثل السوط قاسيا غير مهادن، يلاحق الأنظمة المستبدة، وذلك عبر "لافتاته" الصريحة والساخرة غالبا، والتي سببت في نفيه إلى بلاد الضباب ..
-باتريك موديانو: روائي فرنسي لم يتم الاهتمام به عربيا ّإلا حين فوزه بجائزة نوبل للآداب السنة الماضية.. قرأت له مقتطفات من بعض أعماله الروائية التي تتسم في أغلبها بصبغة سياسية.

-طاغور: شاعر ومسرحي وروائي وصوت متفرد آت من عمق آسيا من حضارة الهند العريقة، وأنا أقرأ له شيئا أحس بانتشاء وبامتلاء غريب وبراحة كبيرة وبرغبة أكيدة في كتابة الشعر، لأنه وحده عبر إشراقاته وومضاته يحقق التوازن في حياتنا، ويختزل التاريخ وأكثر من حياة.. رغم أن ما قرأناه من أشعاره مترجم وليس في لغته الأصلية التي تحمل كل دلالاته وأبعاده الخاصة.


-* هل حققت سعيدة عفيف أحلامها؟ وما هي طموحاتها؟

ربما كان من أحلامي أن أكتب يوما، لكن أحلامي في الكتابة لم تتحقق بعد.. نعيش على الحلم عموما وعلى الخيال حتى فيما نكتبه، فهو بطاريتنا التي ما أن تنفذ حتى نعاود شحنها من جديد.. وغير هذا، فلا يمكن الحديث عن حلم وطموح غير ما يتحقق دون أن نحلم به.



-نص للشاعرة سعيدة عفيف

حِوارٌ سُفليّ

أيها اللهبُ المقدس،
تُرى تُضرِم لي شعلة الرضا
فأهنأ قرِير العين بحياة ما أحب؟
أنكوِي..أمشي على جمرِك تزلفا
أترنم بميلوديا الرهبان القديسين
وأتزهد في خشوع الدراويش النساك العابدين؟
هذا ما كان من أمنيات
قبل الرقاد الطويل..

///

وفي الفجرِ ما قبل الأخيرِ للكون،
أنهض من تابوتي
أنفض عني غبار الزمن السفلي
أفتش في الزوايا
عن بقايا رفات أمل يتيم
أشعل قنديلا، ليس بقنديل أم هاشم
إنما قنديل زيت قديم
أنير لأجلس إلى كفني
كفني الذي كان يُقمّط أشلائي بإحكام
فك قطعة منه ومضى يحكي لي،
هو الذي يعي أكثر مني ما يجرِي،
بينما، في سكرة السكون كنتُ نائما
نومة الموت العميق،
عن أحداث شتى وطرائف
وعن غرائب وسفاسف
عن أحاسيس تميعت
وأخرى تشيأت..
عن سيرة زعيم حكيم
كما جاءت به الأساطِير
عن سيرة حاكم لئيم
كما جاءت به التقارير
وعن شعب تشرد
وعن شعب تمرد
وعن شعب تجبر واضطهَد
وعن شعب تملق وتحذلق فتسيَّد
وعن أحوال تحُول
وأقوام تزول
وعن خرائط ينقص طينها ويزيد عذابُها
وعن خرائط يزِيد طينها ويكبر وهمُها
يا لسيرة الطين مأساة الكون...
يا لهوِلكم يا من تسكنون سطح الأرض..
يا لبؤس ورد تسقيه المذابح..
... وما يزال الهواء عفنا
فيك يا وطني الكبِير...
والأزمنة صفراء نكراء
والنوايا ضحلة غريبة...

///

وأنت يا من كنت غريبا معذبا
ولازلت في عذابك تهيم،
يقول كفني بعد أخذ و رد،
عد لنومك وعانق البياض
وانس الألوان والأشكال
والماهيات والعناصر
والضفادع والحكّام
والخنافس والمظاهر
وكل ما يتغير
وكل ما كان وسيكون
حواسك ليست لهذا العالم بعد،
مدارك المطلق،هِمْ فيه..
قلت على رسلك، هنا،
وهناك الأموات ينتظرون
فقط هناك يملأون الكون صخبا
ونحن في سكون صاخبون
وما عاد يقلقني الانتظار
هو الآن خارِج الزمن، خارِج المدار
نظر إليَّ كفني نظرة
أعرفها وتعرفني ويعرفها
لأنه يعرفني وأعرفه...
يلفُّني وأضمه...
وقال، أرِح أشلاءك
وعندما تسكن الريح
سأوقظك.....
أخذت منه وعدا
وأخذ مني شكلا
بعد ترتيب الشظايا
وابتسامة موت
ويقين عاشق غائب
لم تعد تستهويه شمس ولا رغيف
ولا عش صغير ولا رفيف
ثم أمد أشلاء يدي
أطفئ فتيل موتي المشتعل
ويرجع كفني القطعة كما كانت
وأعود لتابوتي
للرقدة الأبدية
كي أنتظر...


بطاقة الشاعرة سعيدة عفيف
-الإسم الكامل: سعيدة عفيف
-الدراسة: إجازة في الآداب - شعبة اللغة الفرنسية وآدابها- تخصص: لسانيات
-الأعمال والإصدارات: ديوان شعر " ريثما... " وهناك قيد الطبع رواية تحت
عنوان: "موال أطلسي" ومجموعة قصصية بعنوان: "في
انتظار حبّْ الرّْشاد".
-روابط الأعمال:
- بالحوار المتمدن: سعيدة عفيف <br />

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى