خالد بوزيان موساوي - قراءة نقدية في ديوان " كي أشبه ظلي" للشاعر المغربي بوعلام.. الجزء الثاني دخيسي

نستخلص إذن من خلال ما ورد في الجزء الأول من هذه القراءة، أيْ من تضاعيف تجليات تيمة الشعر/ الشاعر عبر ديوان "كيف أشبه ظلي" للشاعر المغربي بوعلام دخيسي ما يشبه جدلية "وجودية"/ "متصوفة" تروّج لمقولة التوحّد من جهة عبر الانتماء للآخر حدّ التملّك و الامتلاك ("هذا الشاعر لي وحدي"؛ نص بعنوان "مقاربة" ص. 116... "أنتِ لي و كفى"؛ نص لا تقرئي كلّ شعري ص. 73)، و من جهة أخرى،عبر اختزال "أنا" الشّاعر في "الآخر؛ نقرأ هذا المقطع من نص "هل أنا شاعر؟" ص. 113 :
"هل أنا شاعر؟
يسأل الشاعر
و يقول
"أنا الشاعر"
الآخر !! "
تُرى من المقصود ب "الآخر"/ "الأنا"؟
لا يمكن أن نتوحّد إلا مع "ظلّنا".. سياق يحيلنا على عنوان الديوان "كي أشبه ظلي"، تيمة ثانية لهذه القراءة.
الجزء الثاني: تيمة "الظّل" في ديوان "كي أشبه ظلّي":
لم يخصص الشاعر بوعلام دخيسي ضمن ديوانه نصّا يحمل نفس عنوان الديوان، لكن تيمة "الظل مهيمنة في مجموعته، سواء بالتلميح تشبيها أو كناية أو إستعارة، أو بتسميته بشكل مباشر كما في نص "الممثّل" ص.54؛ نقرأ مقطعين منه:
"وقف الممثّل يسأل الخشبة:
قومي نردّد ما نقول لهم إذا رجعوا إلى أدوارهم
قومي نذكّرهم قساوتهم على دور الظلام
و كيف صفّقت الأيادي للسلام
(...)
تعجّلي...
الناس قد عادت
يرافقها السّكون
كأنّ شيئا لم يكن
(...)
بحفاوة
وقف الحضور و صفقوا.. !
و بكى الممثّل و انحنى
يخفي الدموع بظله
متنصلا من دوره
لم يفهموا غضبه."
ـ أيّ دور يلعبه "الظلام"؟.. و كيف يمكن على نفس "القافية" أنْ يُقرنَ ب "السلام"؟ إلا إذا كان "سلام" الموت؟.. فالبعض من البشر (كما كتبت الناقدة أحلام الفهمي من السعودية) "لا يستطيع أن يعيش إلا في الظل، ظل شخص آخر، ظل فكرة، ظل حائط، ظل شجرة، ففي الظل حياة، بعيدة عن الضوء وعن الظلام، تستطيع أن تشاهد الحقيقة ساطعة وتميز بينها وبين الوهم، قد تتشابك أيامنا وتحدث المشاكل فلا نستطيع التمييز بين ما هو أبيض وما هو أسود دائماً، ظلمات الحياة تزورنا ونعجز أحياناً أن نميّز بين درجات ظلماتها، فيكون بينها ظلمات أقل، ثم أقل، ثم شبه ظل، حتى نفتح نافذة نحو الضوء..."
ـ و كيف يُقفّى "السّكون" ب "لم يكن"، (وبحرف ساكن) و كأنّ في ما يشبه "الإطناب" تأكيد على نفي وجود خارج الظّل، فالظل (كما كتب الناقد المغربي رضوان السائحي) هو " ذلك الكائن الغرائبي الذي تبرع العين في رصده وتتبع تجلياته متخذًا أشكالًا سوريالية، ولا ينشأ بمعزل عن الضوء، يقول عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ (الفرقان: 45).
و متى لُعبَتِ الأدوار فوق الخشبة في العتمة حتى لا يظهر من "الممثّل"/ "الشاعر"غير "ظلّه"؟...
و السؤال: كيف للشاعر أن يشبه "ظلّه، و الظّل امتداد لصيق بنا و لا ندركه أبدا؟ كيف للظل أن ينتفض وسط العتمة، و منطق الفلسفة كما جاء على لسان الفيلسوف الألماني غوته: "حيث يوجد الكثير من الضوء يكون الظل عميقا"؟
يبدو أن الشاعر بوعلام دخيسي، في هذا السياق، لمّا يترك "الخشبة" و "يتنصّل من دوره" يعبّر مجازا عن سخطه و رفضه للواقع و انتقاده لبني جلدته الذين آثروا "الفرجة" (المسرحية)، و "السكون"، و "التصفيق"(طوقف الحضور و صفقوا.. !")، وكأننا نستحضر موقف الشاعر الحداثي صلاح عبد الصبور في قصيدته "الظل و الصليبب" التي من بين ما جاء فيها:
"أنا الذي أحيا بلا أبعاد
أنا الذي أحيا بلا آماد
أنا الذي أحيا بلا ظل … بلا صليب
الظل لص يسرق السعادة ومن يعيش بظله
يمشي إلى الصليب في نهاية الطريق..."
قصيدة أسالت الكثير من الحبر، من بين ما قيل عنها ما جاء على لسان الناقد إبراهيم مشارة:
"وأما ” الظل ” فدلالته رمزية إيحائية مضامينه الانسانية والشعورية والفكرية لا تنتهي ، فالانسان ليس كيس لحم كما يقول سارتر ، بل هو صاحب قضية وموقف من الوجود والانسان وإذا تنازل عن هذا الموقف فقد شرفه وإنسانيته وتحول إلى كيس لحم والموقف الفريد في الفكر والشعور و النضال من أجله هو مايعبر عنه الشاعر (صلاح عبد الصبور) تعبيرا فنيا ورمزيا بالظل و إذا تنازل عنه الانسان لحساب الرفاه المادي أو الفرار من الخوف تنازل عن كرامته الانسانية و إذا اصر عليه لقي حتفه حقيقة أو رمزا.."
لكن "تنصّل" الممثل/ الشاعر في النص و الديوان معا ليس هروبا؛ هي "دعوة للسفر" (كما عنوان قصيدة بودلير) ل "كي يشبه ظلّه"و كأنه حامل لرسالة مفادها "ترتيب الفوضى" لأجل "مدينة فاضلة" يحكمها الشاعر؛ نقرأ في مقطع من قصيدة بعنوان "لو كان الحكم لشاعر !!" ص. 112:
"لو كان الحكم لشاعر
ما كان مكان للثائر
لو كان لكانَ الحب العارض للآخر
لو كان.. لكانَ الدّم حبرا و الحرب حروفا
و الصلح هديلا و خواطر
لو كان.. لكان الدستور مجازا..
و القانون نشازا
فالوضى ملح الشعر
ألم ترَ أن الشعر بحور...
و البحر مشاعر؟؟؟ !!"
شاعر من مهامه "ترتيب الفوضى" لكنه استعمل أسلوب التمنّي، و كأن الأمر مجرد حلم شاعر طوباوي؛ حلم عبّر عنه الشاعرنمر سعدي من فلسطين باستعمال الاستفهام بدل التمني، إذ يقول في قصيدة بعنوان "لمن إذن سأرتب الفوضى؟":
"لمن إذا سارتب الفوضى
بذوق أميرة شرقية حسناء
تنحت رفرفات الطائر الملتاع من فمها
و من غيم القصائد؟
كيف أرسم قوس أسراب السنونو
في حنايا الأرضِ لا في الأفقِ
وهي تعود من أقصى الشتاءِ إليَّ؟
كيف يشيل شمسَ المريماتِ فمي
لكي تحمي شفاهي عند بابِ الليلِ؟
كان الليل جلَّاداً بلا قلبٍ ولا آذانَ
ينبح أنَّ خمرته التي امتزجتْ بأنهارِ الدماءِ
تحدّرتْ من حكمةٍ سوداءَ صالحةٍ لأنسنةِ الضباعِ
لمَن إذاً سأرتِّب الفوضى؟
ومَن سأحبُّ بعد تقهقرِ الطوفانِ؟"
ثمّة أوجه شبه بين قرار "مغادرة المنصة" و "التنصّل"، و الاكتفاء بالحلم و التمني عند الشاعر بوعلام دخيسي، و النظرة السوداوية للشاعر الفلسطيني نمر سعدي الذي يرى "الليل جلادا بلا قلب و لا آذان..." و يطرح الاستفهام الاستنكاري "لمن سارتّب الفوضى؟...
بينما هناك من الشعراء من جعل من "الفوضى" مطيته المثلى شعرا و حلما للخروج من العتمة و زرع بذور الأمل؛ من بينهم الشاعر المغربي/ الوجدي يحيى عمارة في قصيدة مطلعها " ذاكرتي قصيدة تخبئ الهدايا"يقول فيها:
" ذاكرتي قصيدة تخبئ الهدايا
فى أطباق من ريح
تصنعها أصابع امرأة
تمدح العاصفة
سأمنحها ما أملك
من عظام اللغة ,
أشجار اللثة ,
أوتار الفوضى
كى تجدد هودج الحلم "

و لنا عودة في القادم من الأيام للشاعر بوعلام دخيسي و دواوين أخرى بإذن الله


مع تحيات نافذة النقد
و الأستاذ بوزيان موساوي. وجدة/ المغرب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى