ماء العينين سيدي بويه - " الإسم العربي الجريح" لعبد الكبير الخطيبي.. كتاب يصارع النسيان..!!

" الاسم العربي الجريح" مؤلف للباحث والدكتور عبد الكبير الخطيبي ، احد السوسيولوجيين المغاربة الرائدين في علم الاجتماع ، صدر هذا الكتاب عن دار العودة ( الطبعة الاولى : 1980). وقد ترجمه الشاعر والاديب الدكتور محمد بنيس ، اما تقديم الكتاب فكان من قبل الناقد والاديب الفرنسي رولان بارث ، الذي سنعمد الى تقديم شهادته عن د. عبد الكبير الخطيبي ثم فيما بعد سنحاول عرض اهم الافكار والمحاور التي بحثها الخطيبي في كتابه خاصة المثَل والوشم وعلاقتهما بالثقافة الشعبية .

يقول "رولان بارث" اهم ما كتبه الخطيبي الى الان في مجال البحث كتابه " الاسم العربي الجريح" وكتاب " الدما" في مجال الابداع . ويعتمد في بحثه على بعدين هما:
1- نقد المفهوم اللاهوتي للجسم العربي .
ثم 2- نقد المقاربات الإثنولوجية التي تتعامل مع الثقافة الشعبية تعاملا خارجيا ، وذلك طبقا لما كانت عليه في مرحلة تاريخية لا تخرج عن تقديس المتعاليات . ان الهدف من البحث هو الفصل بين الجسم المفهومي والجسم الحقيقي المعيش والملموس ،في محاولة لتجاوز قراءة الجسم قراءة لاهوتية عن طريق التركيز على الهامشي في الثقافة والذي يعتبر محرما مثل : حديث الامثال ، الوشم ، كتاب الروض العاطر للشيخ النفزاوي ، وقصة الطائر الناطق بالاضافة الى الخط ، رغم ان هذه المجالات غريبة عن الثقافة العربية الكتوبة .
ويرى " بارث" ان الخطيبي يفترض بأن التحرر العربي يفترض تحرر الجسم هو الاخر ، وهو ما يجعل هذه القراءة تقترن بالاسلام كمفهوم مسبق ومتعال للذات والعالم ، كما تعرض لمسائل الهوية والأصالة المزعومتين ، ثم أيضا الاحتفال بشهوة الجسم و متعته ، إن الخطيبي يعتمد مرجعية هذا الكتاب ، من الثقافة المغربية أساسا لتجديد مجال التحليل .
وفي شهادة " رولان بارث" عن الخطيبي ، فيما هو مشترك بينهما ، يقول ، إنني و عبد الكبير الخطيبي نهتم بأشياء واحدة ، الصور ، الأدلة ، الآثار، الحروف ، العلامات ، فهو يسائل الأدلة التي ستُجلي له ثقافة شعبه ، وهنا يمكن لغربي ( مثلي) أن يتعلم شيئا من الخطيبي ، إننا لا نستطيع أن نفعل ما يفعله ( ص22).
دلالة المَثل ..
يقول الخطيبي ، نقلا عن حكمة هندية تقول " اسمك هو مصيرك" أن أي نص لا يمكن أن يستغل بسهولة ، عن العمل الأسطوري . فمثلا يطلب من المؤمن إسلاما كاملا للنص القرآني، هذا الإسلام العنيف للنص سيُكيف كل قانون الكتابة كالجسم ، هنا يعتمد الكاتب مطلحا نقديا مركزيا ، هو " تداخل دلائلي" ، الذي يفترض العلاقة بين أنواع الأدلة : الموسيقى ، الكتابة ، الموشوم. ذلك أن كل الأنظمة الدلائلية هي ترجمة للجسم ومتعته ، ثم هي أيضا تداخل دلائي معترض ، الى الحد الذي يجعل المعرفة العلمية كل مرة متصدعة ، مطوية و ذات حتمية وشجية بنصية تعبر عن تداخل نصي مرسوم حسب محاور ثلاثة :
1_ دلائلية خطية ( وشم ، خط ) منظور إليها في سمتها الرمزية ، ففي حالة ( الوشم ) يعيد هذا الدليل الفارغ إنتاج كتابة قديمة مكبوتة و في الحالة الأخرى ( الخط ) يتعلق الأمر بإنعكاس بعيد الدلالة ، ينطلق من القانون اللغوي .
2_ بلاغة الجِماعْ ، -وهي المُسماة من قبل الصينيين القدماء بفن غرفة النوم – وقد إخترنا كتاب ( الروض العاطِرْ ) لأن هذا النص مسموع أكثر مما هو مقروء جريا على عادة سماع كتاب ( ألف ليلة وليلة ) ، من هنا يتموضع بين الثقافة المكتوبة و الثقافة الشفوية .
3_ دلائلية شفوية ، ( الحكايات و الأمثال ) وستفيدنا في الإحاطة بعلاقة الصوت بالأسطورة داخل إيقاع الأمثال .

حديث الأمثال ..
يرى الخطيبي أن تقنية التذكر (المتن ) لها طابع كوني في الثقافات الشفوية ، نموذج البدوي الذي يحفظ المثل عن ظهر قلب على شكل تعبير خطي فضائي . وعن حديث الأمثال و من الثقافة الإسلامية يسوق النموذج التالي: " دائرتان ، بعد الموضوع يقول : بمثل هذه الخفة تبتدئ الصلاة الإسلامية ، فالماء هو المفارقة الأولى ، والتعارض بين الطهارة _النجاسة ، يرتب الجسم ، وأعضاء الجسم ، ولكل عضو نقصانه –اليد اليسرى نجسة واليمنى طاهرة-.
بهذا الحديث تصبح الصلاة ككلام مستحيل ، تنتهي كما نعلم باللعبة الدائرية للسبحة ( تفرغ اليد في السبحة عدوانية مضحكة ). و كذلك الأمر بالنسبة للذِّكرْ ، فهو ليس صعودا عموديا كما يذكر لنا المتصوفة ، إنه بالأحرى تبعثر و نشر الجسد ( الحديث هنا ، جسم ، دوما جسم ) ، ولكنه مشوه و متنكر في أقصى مداه بهذا التجرد التربوي للمؤمن . وبدقة أكثر إنه تشويه لهذا البحث نفسه عن المستحيل ، ويجب أن نرى في هذه الحركة الدالة ( وعلى أي شيء تدل إن لم يكن على الفراغ ؟) ، في هذه اليد ، في الوضوء ، في هذه الصلاة ، صورة لعدة تمارين تهدف الى تملك البعد العنيف وفق متعتنا ( ص31) بالجسم .
يطلق الخطيبي على هذا الجسم ، اسم ، الجسم " الحَمْدَ لي" ، ما يستدعي قراءته كإنفصال بين الأرض و السماء ، بين الروح و الجسم ، بين الطاهر و النجس ( اليمنى واليسرى ) . جسم المؤمن ينشطر الى قسمين : الجسم المَثَلي و الجسم الحمدَ ليْ ، إذ ان الأول أكثر قدما من الثاني ، ما يعني بالفعل أن المثل يتأثر بالكلام الديني ، خاصة عندما يغيب المؤمن عن نفسه حين يعتقد المُصلي أنه سيرتفع بروحه نحو السماء (ص32) .

المثَل كشكل فارغ ..
إن العادة تمنح في التحادث وعن طريق المثل نظاما مملوءا ، أي زمنا تكراريا ، وفضاء مفتوحا و معرفة حشوية ، إن المثل يُستعمل كحجة في حل المعنى . وهنا تأتي أخطار التفسير ، لذا يجب الكف عن إستعمال المثل كحجة لها صبغة العادة ، ولكن ك نص ، ولو أنه مركب من جلمة واحدة . فهل المثل جملة صحيحة أم خاطئة؟؟
لقد أثار الليساني والسيميائي " أليخر داس جوليان غريماس" الإنتباه الى خصائص مثل هذا النظام ، بإلحاحه على البناء الضروري لتركيبة المثل النحوية ، وثنائية بنيته الإيقاعية ، ثم على زمنيته اللاتاريخية ، مشبها له في هذه الخصائص بالأسطورة و الحلم . إن المثل ينتمي للقصيدة من خلال تقطيعه الإيقاعي (ص33) .

المثل كتنظيم متناظر ..
_البنية البسيطة : تضم كلمتين وإستعارة واحدة مسجوعة ، و غير مسجوعة ( عينيك ميزانك ).
_البنية المركبة : و هي منطوق يتساوى جزاءاه ( جملتاه ) سواء توافق (رأس ) المثل مع ( ذنبه ) أم لا . وسواء أكانا مسجوعين ام لا ( إيلا هزَال كُولْ الراس .. و إيلا سْمانْ كُول الراس) .
_البنية الموسعة : وهي منطوق ثلاثي الأجزاء ناتج عن تمدد بسيط للبنية الثنائية (ص39).

الوشم كتابة بالنقط ..
عمل الدكتور الخطيبي ، على دراسة الوشم في نطاق المحرم المضاعف ، فالاسلام كما يقول ، صمت عن موضوع الوشم ، او وخزة ، وشم ، وكلها مرادف للكتابة التي هي في معناها الواسع كل نظام دلائلي بصريا أو فضائيا . او كما يقول التفكيكي " جاك دريدا" المعقولات الأساسية كالمعقول ( المحسوس ، والحضور ، والغياب ) ، تحيل على نظام ايديولوجي ( ص53) . اي تعبر عن إرادة او أمل أكثر مما تصف واقعا معينا كما عبر عن ذلك " ألتوسير".
إذ يرى الخطيبي ، ان " مالاراميه" سبق له ان حلل هذا الإنفصام بصدد التجمع الولي للأشكال التي تحدث عنها المؤرخ لوروا-كوران- وهي: التقنية و اللغة و التشخيص . والتي تترجم الجسم الى دليل خالص في فضاء لا تتوقف كتابته (ص 56) ، فمثلا علينا أن نعرف بأن الراقصة ليست إمرأة ترقص ، ومن اجل هذه العلامات المتعارضة فهي ليست إمرأة ، ولكنها إستعارة تلخص مظهرا من المظاهر لشكلنا كالسيف : قدح ، وردة ، الخ ... وأنها لا ترقص وإنما توحي من خلال عرض مدهش الصورة المختصرة و الإندفاعات بكتابتها الجسدية ، بما تتطلبه من نشر و حوار ووصف لغاية التعبير ، إنها بالأحرى قصيدة متخلصة من كل يد خطاط (ص56).
هكذا يكتب الوشم على الجسد في حركية معينة الإيماءة و الكتابة الأبجدية و الكتابة التصويرية . كما تستعمل أغلب الوشوم في الجبال والقرى المغربية أبجدية تسمى " تِيفنغْ " عددها أربعة وعشرون حرفا ،وهي حروف مشتقة من الكتابة الليبية القديمة ، والأدلة مشتركة بين " تيفنغ " والوشم المغربي ، إذ يمكن للفتاة المغربية التي ما تزال مخلصة للثقافة الشعبية ، أت تُوشِم في مناسبتين : عند البلوغ و عند الزواج ( ص71). او ما يمكن إستكناهه من سيميائية الوشم في لحظتين عميقتين في وعي الثقافة الشعبية و فهمها لجسد المرأة.
ففيما يخص المناسبة الثانية وهي الزواج ، فإن الدم المعلن لبدايتها ،في نظر عالم النفس " سيغموند فرويد" هو لون الإغتصاب و إضطراب الدلة هو منفض الغريزة الجنسية ، وهو اللون الإلهي و الأبوي ، الذي يحدث تراتبا عازلا في قوس قزح ، وليس محو غشاء المهبل قتلا ، إنه لونه الطرسي ، وصورته ، إذ يحدث في بعض الأحيان ، رفع سروال العروس مخضبا بالدم أمام الناس ، ومن ثم فإن اللون الحمر أيضا ، هو اللون المقتبس الذي يتميز به ويدل عليه دوران قوس قزح ، لنكن أمام فرجة ، غناء ،رقص ، طعام ، و صراخ هستيري لرافعة السروال المخضب بعدة حركات عاطفية . تمنح الوشم ( بهذه المناسبة) قيمة كتابة بعيدة الدلالة (ص72).
و ايضا يرى عبد الكبير الخطيبي ، أن الوشم و المثل ، يعيشان داخل النظام القبلي ، فما هي القبيلة؟ يجيب ، هي نظام مجزأ يخضع لتنافس ممنهج ، يسير في دائرية المثل ، فانا ضد إخوتي و أنا و إخوتي ضد أبناء عمي ، و إخوتي و أبناء عمي و أنا ضد القبيلة بأسرها ، والقبيلة ضد العالم (ص74).


أعلى