أشرف عكاشة - براغيث الأسفلت.. قصة قصيرة

ينهمر العرق من جبينه الكالح بغبار الأسفلت، كيسه البلاستيكي يكاد يخنقه، أثقلته حبات القمح، كنسها من بطن شاحنة تنهب الطريق ، يتوارى القمر خلف غيمات كئيبة، ما عادت ترق لوجه الحقول الذي شققته التجاعيد...
أنامله تيبست على مقبض باب الشاحنة الخلفي، تتسلل إليها رعشات متتالية تنبعث من صرخات معدته الخاوية، يرمقهم بعد أن قفزوا ولم يمهله السائق حتى يستجمع شجاعته ويلحق بهم، وفجأة ينفتح الباب وراح يطوحه ، فيرتطم بجانب الشاحنة تارة ، والأخرى يحاول أن يعيد الباب مغلقاً كما كان وهو ملتصق به كوشم بارز، أنامله تضعف، الصور تنهمر تترى أمام عينيه..
وجه ذاك العجوز تهلل عندما باعه بضعة أكيال من أسمدة، جمعها من بطن شاحنة أفرغت حمولتها في دوار العمدة، ودكانه العامرة وحدها بالتقاوي والأسمدة.
وجه (سوسة) الذي رباه وهو ينتزع منه حصيلة يومه ليشترى بها سجائره...
يساقط عرقه على جرح دام يكويه؛ فساخت روحه...
كادت أصابعه أن تنفلت،
صورتهم وهم متقفندون على أنفسهم قبيل الغروب، وفي طيات الطريق المتعرج نتوء ممدد يخدش حياء السيارات الفارهة، ويرغم الشاحنات الضخمة أن تتهادى وهي تجتازه؛ فيقفزون جميعا فجأة، ليتشبسوا بمؤخرتها، يبتسم لـ(سوسة) وهما يمنيان النفس بطبق من البليلة الساخنة.
تنبت قاماتهم عند المطب، ينفضون عنهم التراب، وحده مازال ملتصقاً بالباب، لاحوا كأشباح في مرآة السائق، فيستشيط غضباً، يجذب الفرامل صارخاً، فيرتطم الباب، وتقاسمه طقطقة عظام الصبي الدوي، دماء سالت من رأسه لوثت صورة الزعيم الذي طاله سباب السائق - وكان من قبل يفاخر بها على شاحنته،
يسقط ...
يسقط، تدهسه سيارة فارهة كانت تحاول المرور إلى جوار الشاحنة .
السيدة التي نزلت من السيارة الفارهة راحت بمنديل معطر تمسح دمعة فرت من أسفل نظارتها ثم أومأت لصاحبها إلى بقعة الدم التي لطخت وجه سيارتها ، بينما العصافير التي أرقها صوت الفرملة عافت الحبات التي خالطتها الدماء.


أشرف عكاشة



أعلى