أحمد رابع أبو فراس - سليمة.. قصة قصيرة

الشمس في كبد السماء، والحر على أشده ، ليس هناك صوت يُسمع سوى ذلك الصخب القاتل القادم من إحدى المنازل التي تتوسط الحي ... قهقهات وزغاريد وتبادل تحايا وتبريكات.
وانتِ يا "سليمة" ترتمين على سريرك المتهالك ومعالم الحزن جلية على وجهك . لا تعرفين شيئا غير الصمت ، انه اللغة الوحيدة القادرة على التعبير عن هذه التراجيدية ، فانتِ غارقة في دوامة من الشرود والتيه ، لا تولين بالاً للتحايا والتبريكات التى تنهال عليكِ كإعصار تسونامي ، ليس لعدم لامبالاتك وإنما لان كل حديث سوف يفضي بك إلى ذلك اليوم العاصف الذي أتى كنهر يعبوب وجرف معه كل معالم الحياة وترككِ في العراء .
كنتِ كوردة فاح عطرها بين ثنايا الربيع تنشرين النسيم بإبتسامتكِ البريئة في كل الارجاء ، صوتكِ كهديل قمرية في صباحات الربيع ، تتنقلين بين الاشجار المورقة بحرية وتعزفين سنفونيتكِ على إيقاع موسيقي رنان ، فانتِ الطفلة المثالية في البيت والحي معاً والعنقود اليانع ومدللة والديكِ، لكنكِ لا تدركين بأن ايادي القدر الملعونة تتربص بك في هذا الوسط الاجتماعي القاتم حيث التشويه القسري للأجهزة التناسلية والقيامة الآنية للشهوة واللذة .
انه فضاء جغرافي لم تسلم فيه أنثى من التشويه والقمع العشوائي للشهوة بذرائع لا اساس لها من المنطق .
انها الثقافات التقليدية بقداستها المجنونة وهي تتعانق مع العبثية الاخلاقية لتكون حالة من اللاوعي وتنتج مجتمعا يتوقد شرراً عندما يرى انثى " سليمة "، بحيث يصبح لا هّم لهم سوى تجريدها من دهاليز الشهوة مخلفين لها أثاراً فيزيولوجية لا حصر لها ودائمة ما دام القلب بالحفقان ، هي طريقتهم للتعبير عن وهمهم بحماية شرف الأنوثة وحفظ عذريتها بإيدلوجية خرقاء .
في ذلك الصباح كنتِ منهكة في اللعب واللهو في فناء المنزل ولا شئ يوقظكِ من لهوكِ إلا مجئ تلك المرأة الخمسينية التى جاءت كقدر اسود وتحمل في يدها حقيبة معدنية .
لا شئ يفسر مجيئها في ذلك الوقت .....
بغتة... أتى صوت والدكِ منادياً اياكِ . (سليمة تعالى يا بتي)
ذهبتِ دون تردد , ولا شيء يشغل حواسك غير تلك المرأة صاحبت الملامح القاتمة التى تبدو كأفعى عمياء .
وقفتِ تتأملينها بتوجس وفضول طفولي وهي تتبادل اطراف الحديث مع والدتكِ وتخرج ادوات غريبة من حقيبتها الملعونة
فجأة... أحسستِ بكف غليظ يغطي وجهكِ . حاولت التملص لكن دون جدوى . وبدأت الافعى بعملية البتر والاقصاء . فدخلت في عالم من الالم واللارؤية.. عالم خال من الوجود ، لا شيء فيه سوى صرخاتكِ وهي تتعالى لتملأ كل الفراغات.
انتِ الان نزيلة العناية الفائقة وغارقة في بحر لامتناه من الثبات . جسدكِ شبه ميت لا تعرفين متى بدأت تلك الطقوس وكيف انتهت ، فقط تعرِفين انكِ اصبحت انثى مثالية بمعاييرهم.
يمكنهم ان يطمئنوا الان لقد ازاحو ذلك الثقل عن عاتقهم واستأصلوا ذلك الضرر المركزي.
الان وبعد ان شاخ صباخ الربيع ، تظللك غيمة من الحيرة ، وتجندين كل قواك العقلية لإستيعاب هذه الدراماتيكية غير القابلة للإستيعاب وباحثة عن اسباب كرههم إياك.
لكن عليكِ ان تفتخري ، لقد اصبحت إنثى صالحة حسب زعمهم وستكونين زوجة نموذجية في المستقبل حسب اعتقادهم .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى