د. مصطفى أحمد علي - الرحلة..

سلقي، مطلع ١٩٥٦: عربية سيد كجوك.
الطفل ينتزع نفسه انتزاعا من مشهد الوداع الذي افزعه ويجري نحو الدار: " داير بيتنا". قالوا، كانت تلك أولى ما جرى على لسانه من كلمات...ثم نحيب عبد المكرّم وانحدار أدمعه واحتضانه الطفل من فرط تأثره من المشهد الحزين..
في شبعانة، ركبت الحاجّة ستّ النساء بنت علي مكي... مروا بالقولد لوداع عبد العزيز عمّ والده...كانت القولد مسرح صبا والده ومعين ذكرياته، فيها درس المرحلة الأولية، ومع أقرانه وجيرانه من "الأرقاوية" تعلم النوبية وأجادها.. ساء أمّه أنها لم تظفر برؤية بنت عمها، زينب بنت أحمد أفندي، زوج عبد العزيز، ثم لم يتهيّأ لها ذلك أبدا، إذ سرعان ما فارقت زينب الدنيا إلى أحسن جوار وأكرمه.
وصلوا الخرطوم، وقضوا نحو شهرٍ في السجّانة، في دار عبد الكريم مكّي... احتفظت ذاكرة الطفل بمشهد طعام حول صينية فضية اللون، ونسوة وأطفال لم يتبيّن ملامحهم ثم خفتت الذاكرة شيئاً فشيئاً إلى حدود الفناء!حملهم القطار إلى الأبيّض، إلى دار قريبهم، أحمد علي كرار. كم قضوا فيها؟ لا يذكر شيئاً من ذلك، إنما هي أخبار سمعها من أمه: مرض الطفل وعالجه طبيب يوناني، واستغرق علاجه أيّاما حالت دونهم ودون متابعة الرحلة. رأوا أن يتقدمهم إسماعيل، أخوه الأكبر، رفقة الحاجة ست النساء وابنيها صديق حسن والنعيمة، وحفيدها محمد صديق ..حكى إسماعيل عن مشقة وعنت لاقاهما في تلك الرحلة وفي الأيام التي أقامها بنيالا.
بعد تمام شفاء الطفل، حملتهم عربية ود القوز من الأبيّض إلى نيالا، وفي طريقهم، قضوا يومين في دار ود القوز بالنهود، ثم يومين في الفاشر. أخبرته والدته ان ود القوز من ناس المتمة، من جيرانهم في المتمة.

الخرطوم، نوفمبر٢٠١٩

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى