د. مصطفى احمد علي - السوربون..

Paris 4, La Sorbonne Nouvelle

نظر أمامه فبدا له طريقه واضحاً كأنه لم يغب عنه لحظة. قرأ أسماء الشوارع فوجدها كعهده بها قبل نحو ربع قرن لم تتغير. اختلس نظرة إلى الشارع السفلي المنحدر من جهة اليمين فوجده كما كان قبل سنوات ... اللوحة التي تحمل اسمه لم تتغير، والسلّم الخشبي المفضي إليه كما كان، تحوطه الأزهار ويشمله الهدوء والسكون. المقاهي في مواقعها وإن تغيرت أسماء بعضها. المخبزة كما هي. استبقت عيناه خطواته فاشرأبّ خلسة إلى زجاج نوافذ المكتبة وأنس إلى الضوء الدافئ الذي يشقّ عتمة النهار الغائم. دار إلى يمينه يلتمس الباب المفضي إلى الكافتيريا والمكتبة فألفاه موصداً، محكم الإيصاد. البوابة الرئيسية كانت محروسةً بمن يدقّق في أوراق الداخلين والخارجين. لم يجد في نفسه رغبة في جدال. زهد في الدخول. عبر إلى الرصيف المقابل على اليسار...القرطاسية ومقهى الفكانكس تغير اسمه وتبدّلت هيئته وقلّ قصّاده وجلّاسه وانفضّ سامره!
جالت في خاطره صورٌ عدة: وجوهٌ وخواطرُ وشخوصٌ وذكرياتٌ لعهود مضت، وردّد وجدانه في خفوت أبياتاً لشوقي لم تتحرك بها شفتاه:
ودّعت أحلامي بقلب باكي
ونسجت من طرق الملاح شباكي
.ورجعت أدراج الصبابة والهوى
امشي مكانهما على الأشواك
وبجانبي واهٍ كأن خفوقه
لما تأوّه جهشة المتباكي
شاكي السلاح إذا خلا بضلوعه
فإذا أهيب به فليس بشاكي
وبح ابن جنبي كل غاية لذّة
بعد الشباب عزيزة الإدراك...

د. مصطفى احمد علي،
باريس-الرباط
نوفمبر 2015
S

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى