عبدالرحيم التدلاوي - تقنية الحجاج في رواية " المنسية" لعبد النبي بزاز وبعض أبعادها الفنية والدلالية.

أصدر الكاتب الروائي و الناقد المغربي عبد النبي بزاز إبن مدينة الخميسات، كتابه الجديد، و هو عبارة عن رواية تحت عنوان ” المسبية “، و التي حظيت بإعجاب عدد من الكتاب و المثقفين، و لقيت إقبالا واسعا و تفاعلا إيجابيا من أول يوم خرجت فيه إلى الوجود.
و تعتبر رواية ” المسبية ” الإصدار الثامن للكاتب عبد النبي بزاز و هي الرواية الخامسة بعد أربع روايات و ثلاث مجموعات قصصية.
و كانت بداية الروائي عبد النبي بزاز سنة 2002 من خلال (قصة) لملمة لملمات، تلاها إصدار أخر سنة 2005 عبارة عن (نصوص) تحت عنوان عوالم سفلى، و في سنة 2008 إصدار عبارة عن (تذكرات) بعنوان أصوات، و خلال سنة 2011 كانت له أول (رواية) بعنوان ومضات، تلتها ثلاث روايات سنة 2013 بعنوان محطات، و سنة 2015 بعنوان السبيل لعيش أخر، و سنة 2017 بعنوان هل سأعود يوما؟.
وتنقسم الرواية إلى ستة فصول غير معنونة، بل اكتفت بالترقيم. وهي فصول تقترب من عدد صفحاتها، باستثناء الفصل الخامس الذي جاء أطول لكونه الفصل الاساس حيث الحديث عن مراد وطموحاته ونجاحه في الهجرة والعمل فيها بمساعدة مغيث الذي حضه على المجيء فكان له خير عون.
تنهض الكتابة في رواية "المسبية" على التنافر بين الذات الكاتبة والواقع. فالكاتب يصبو لواقع يلبي انتظاراته ويحقق أحلامه وواقع يعاكس مخططاته وينبذها. وبفعل هذا التعارض يجد الكاتب نفسه خارج سردية مدينته المسبية مكرها. مما يفرض عليه البحث عن آفاق رحبة تمكنه من تحقيق ذاته كأترابه ولو خارج بلده الذي يحبه. ولكي يحقق الكاتب توازنه النفسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي يعمد إلى الكتابة النقدية التي تعري واقعه المحبط. إذ يسلط أضواءه على كل القطاعات التي تعرف اختلالات مشيرا إلى من يقف ورءها ص77..
ولعل هذا المسعى هو الذي أملى عليه اختيار الواقعية التي تقوم على نقل الواقع وتصويره بصدقية تمتح من حقائق ووقائع قائمة. والابتعاد عن هذا النهج قد يسقط العمل إن توسل بالمتخيل لوحده في مغبة نفس "سوريالي" له أشكاله الإبداعية الخاصة. والمبدع على وعي بأهمية المتخيل؛ فهو رافد أساسي في أي فعل إبداعي، لكن مع الحيطة وعدم إغفال الواقع بزخمه وتناقضاته واختلالاته. ص74.
فالكتابة في "المنسية" ظلت مشدودة إلى حبل المقاومة ، كتعبير عن الرفض لواقع قاس وصعب؛ يتراوح ما بين الألم والأمل. ففي ذلك، كانت السِّمة المهيمنة، على العمل السردي ، إنها عمل يقوم على فضح ما يقع في الكواليس من مؤامرات؛ و انتهاكات؛ ومن خلالها يتم تدمير الكرامة الإنسانية ، وتسحق الأحلام، وتخييب أفق المستقبل.
ولعل العنوان يحمل الكثير من تلك المعاني والدلالات السابق ذكرها، فتحليله يقودنا إلى إدراك أبعاد النص القضوية.
العنوان:
ورد الحديث عن العنوان ومناقشته في مناسبتين، الأولى في الصفحة التاسعة، والثانية في الصفحة الثالثة والسبعين، حيث جرى حوله نقاش مثمر بين الروائي والزوجة قاد إلى اعتماد "المنسية" بدل "المنسية". رغم أن ما بينهما من تداخل إن على مستةى الدلالة، وإن على مستوى اللغة حيث الجناس غير التام.
من حيث التركيب، جاء كلمة مفردة هي خبر لمبتدإ محذوف تقديره الرواية. ومن حيث الدلالة، فالسبي هو نوع من الاغتيال المعنوي لكرامة الإنسان المسبي، وبخاصة الأنثى الثى التي يتم قنصها واعتقالها وتمريغ كرامتها بالاغتصاب والاستعباد، وكذلك هو شأن المدينة التي شهدت نموا عمرانيا غريبا هتك حرمة براءة الأطفال، وقاد إلى تهجير سكانها الأصليين، وجعلها تعرف ساكنة متغيرة باستمرار، إذ صارت محط عبور لا غير، بفعل بؤسها، وانسداد آفاقها.
اعتمدت الرواية في تشييد معمارها الفني على الحجاج. وأهم تقنية دالة ومؤكدة على ذلك حضور التكرار الساعي إلي التأكيد والتقوية والإقناع. وهو ذو نوعين؛ الكبير ويرتبط بالحديث ما مرة عن المدينة المسبية. والخاص وهو المرتبط بالحديث عن شعور مراد بالخواء ورغبته في تحسين وصعيته ورفع التحدي بغاية تحقيق أهدافه. كما في حدبثه عن أبنائه وتفوقهم ورغبتهم في مواصلة نجاحاتهم بدبار الغربة.
تقنية التكرار ساهمت في التوالد السردي والتكاثر. ولولاها ولولا الحوار وتقديم بعض الشخصبات لصار العمل مقالة نقدية طويلة في نقد الواقع المغربي بعامة والمنسية بخاصة وما هذه إلا من ذلك؛ فهي الجزء الدال على الكل.
ولإقناع القارئ/المتلقي بأطورحة الرواية، عمد السارد إلى ضرب الأمثلة المستقاة من أفواه أبنائها، وسلوكاتهم، سواء أكانت بانية أم غير بانية. فمن أمثلة شخصيات المدينة التي ساهمت في تعميق جراحها، نجد المرشح اليساري الذي قدم وعودا جعلت الساكنة تثق فيه، وتسلمه أصواتها، رغم تحذيرات البعض الذي أدرك كذب الرجل. وتأكد توقعها لما نجح وانتقل للعيش في مدينة أخرى، تاركا مدينته للإهمال والنسيان. أما باقي الشخصيات من أمثال كمال؛ فقد حققت نجاحها خارج أسوار المنسية، وفكرت في إنشاء مشاريع تنقذ الشباب من الضياع، لكن السلطات رفضت تلك المشاريع لأنها لا تخدم مصالحها، لتبقى المدينة رهن المجهول.
ومن تقنيات الحجاج، أيضا، نجد المقارنة، وهي تقنية ما كانت لتتحقق لولا الهجرة؛ تلك الهجرة التي منحت مراد، الشخصية المحورية، فرصة معرفة الفرق الشاسع بين بلاده بعامة، ومدينته بخاصة، وبين بلاد الغربة. ففي الوقت الذي تقتل مدينته طموحات أبنائها، وتئد أحلامهم، نجد بلاد الغربة تحضنهم بدفئها، وتمكنهم من فرص النجاح والتألق.
وإذا اعترى الرواية اضطراب في بنائها من حيث تأخير القصة إلى الفصل الخامس، مفردة الفصول الأربعة السابقة للحديث عن المدينة وعن شخصياتها التي عاشت المحن، ونجحت في تحقيق أحلامها رغم كل العراقيل، فمرد ذلك لاضطراب الواقع، واختلاله. إن الاضطراب ما هو إلا نوع من التعبير عن الاضطراب العام الذي تعبشه المنسية وبقية مدن البلاد.


عبدالرحيم التدلاوي



1.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى