لقاء حصري مع الأديب والمترجم المغربي محمد العرجوني لجروب نحن المجانين... شعر.. أدار الحوار/ وفاء دلالي

> أستاذنا.. محمد العرجوني، سعداء بوجودك معنا في حوار خاص لجروب نحن المجانين... شعر
-1 من وجهة نظرك كيف ترى حركة الشعر العربي بشكل عام؟
>> - سؤال يتطلب بحثا مستفيضا جدا ولا يمكن الجواب عليه في بعض السطور... لهذا أكتفي بالقول إن الشعر العربي كباقي أشعار العالم عرف حركية خاصة به تختلف مثلا عن حركية الشعر الفرنسي الذي أعرف تاريخه... أكتفي بالتذكير بما حدث بعدما سمي بعصر الانحطاط، أي مع ما سمي أيضا بالنهضة.. منذ حينها عرف الشعر والأدب بشكل عام، حركية مهمة، كان من روادها شعراء وأدباء أسسوا ما عرف بالمدارس الشعرية، ولو أنني أتحفظ على هذه التسمية، عبروا من خلالها عن تصوراتهم للشعر:
مدرسة الأحياء، مدرسة الديوان، مدرسة المهجر، مدرسة التفعيلة أو الشعر الحر، قصيدة النثر.
ثم لا ننسى أنه مع بروز الحركة الإسلامية، كتنظيم سياسي، برز معه ما سمي بالشعر الإسلامي أو الأدب الإسلامي.. إذا هكذا يمكن التأريخ للحركة الشعرية...
فلا زالت هذه الحركية متواصلة خاصة مع بروز الوسائل التكنولوجية الاجتماعية للتواصل، التي سمحت للكثيرين ممن كانوا محرومين من التواجد حينما كانت الجرائد والمجلات هي المنابر الوحيدة، والتي كانت خاضعة لعقلية الطوائف الأدبية والصداقة والزمالة إلخ....

> -2 هل برأيك يوجد الآن صراع بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر؟
>> - أكيد، فما ذكرناه من حركية، يبرر أن الصراع يظل قائمابين من يتشبث بالشعر كما جاء مع الأولين، وبين من يحاول التجديد... هناك صراع بين الإثنين... لأن قصيدة التفعيلة، في نظري، ما هي إلا بناء مغاير شيئا ما للقصيدة العمودية... خرجت بشكل متعسف من شرنقة العمودي فقط من أجل التباهي " بالتجديد" متأثرة ببناء القصيدة الغربية.. لكن هذا التأثير ربما هو ضعفها، لم تكن لها الشجاعة الكاملة في التعبير عن ذاتها... لأنها من جهة حافظت على الأوزان التقليدية فكسرت فقط البناء ذي الشطرين، لهذا تبقى هي نفسها تقليدية... ومن جهة أخرى نفس الانتقادات التي توجه لقصيدة النثر من قبل شعراء العمودي توجه أيضا لها من قبل شعراء قصيدة التفعيلة... وهذا ما جعلني أفكر بجدية في الأمر... وهو ما أجيب عليه في سؤالك الموالي....

> -3 لاحظنا في تفاعلاتك مع الشعراء وقصائدهم لفظة" ما وراء الشعر " ماذا يعني كاتبنا والمترجم القدير محمد العرجوني بهذا المصطلح؟ وهل تمت عملية تأطير له؟
>> - أولا لابد من الإشارة أن تعبير : " ما وراء الشعر " هو ترجمة للكلمة بالفرنسية: métapoesie أي " ميتا شعر " ...أول من أستعمل هذا المصطلح، في اعتقادي، هو الناقد باشلار الذي استعمل هذا المفهوم في دراسته للشاعر الفرنسي لوتريامون Lautréamont, حيث نجده يستعير مصطلحات الفيلسوف نيتش: الشوق والقوة والتسنم في نظريته حول الشعر( 1 )، وقد استعمل فيما بعد من قبل العديد من الباحثين في الأعمال الشعرية. إلا أنه يجب الإشارة أن استعمالي لهذا المصطلح يختلف تماما عما هو معروف. حينما استعمله باشلار، فقد استعمل ما يسمى " بالبادئة " meta " ميتا" كما استعملها النقاد اللسانيون بمفهوم " فوق/ على " ...بحيث نجد métatexte, أي خطاب فوق/ على خطاب أو métalangage, أي لغة فوق/على لغة، و métapoésie, أي شعر فوق/على شعر... بمعنى الحديث عن الشعر في القصيدة، حيث يكون الشعر هو موضوع قصيدة ما ( 2 ) . أما قصدي فيتجه نحو مفهوم " البادئة "méta " كما جاءت في كلمة: métaphysique, أي ما وراء الطبيعة، لهذا تصبح كلمة:métapoésie أو ميتا شعر، بالنسبة إلي هي : ما وراء الشعر . هنا ربما أقترب بهذا المفهوم بما جاء في مداخلة جيمس ساكريJames Sacré, أثناء ندوة نظمتها كلية الآداب بجامعة بواتيي بفرنسا سنة 1991، حول : دينامية الأجناس ( 3 ).لماذا هذا المصطلح؟
وأنا أتابع الحركة الشعرية العربية، أثار انتباهي الصراع الدائم بين التقليديين المحافظين ( ليس بمفهوم قدحي ، أبدا )، ومن يحاولون التجديد. تاريخيا الحق مع التقليديين في امتلاك مصطلح " الشعر ". لأن الشعر كما عرفته العرب هو ما كان موزونا وله قافية وإيقاعا ويتشكل من شطرين، وبحورهو16، مع ما يمسها من علل وزحاف داخل تقنين محكم، من غير أن ننسى المحسنات البلاغية. فحتى من تحدثوا عن قصيدة التفعيلة لم يخرجوا عن هذا الإطار، مع التحرر فقط من البناء المكون من الشطرين. ثم من جعة أخرى نجد من يتحدث عن قصيدة النثر، التي لا تخضع لقوانين العروض. أمام هذا كله تساءلت: ألا يجوز لنا أن نبحث عن مصطلح آخر من غير مصطلح " الشعر " يخص النصوص التي لا تخضع لما سبق ذكره؟ فإذا كان من حق الشعراء التقليديين الذين لا زالوا يكتبون كالشنفرة وامرؤ القيس وشوقي ونزار ودرويش... أن يسموا نصوصهم شعرا، كورثة لمن سبقوهم في البناء، فمن حق من يحاول أن يكتب بعيدا عن هذا التقليد أن يجد أن يجد له إسما آخر... وبما أنني في مجموعة " المجانين " أبوح بهذا الجنون، وأتحدث عن: ما وراء الشعر. فإذا كان الشعر التقليدي هو" الطبيعي " أو الطبيعة بالنسبة، للشعرء التقليديين، فلنا كتابات تفوق تلك الطبيعة ببنائها المختلف تماما، وحتى في تعاملها مع الصورة الشعرية، كأن تبتعد عن أنماط الاستعارة والتشبيه مثلا، فتجد صاحب، النص يبطن بشكل منتظم ما يلمح إليه، بل وقد يفعل ذلك بنوع من السخرية التي تزيد في اخفائه. لهذا أتحدث عن "ما وراء الشعر "، هذا الما وراء الذي، يخضع بشكل حاد للقاعدة الأساسية لكل نص ينبض من القلب، وليس من العقل ( النظم )، أي للإيحاء... أما من ناحية القيمة الجمالية والفكرية، فكما نجد نصوصا قوية لدى التقليديين ونصوصا ضعيفة، نفس الأحكام تنطبق على أصحاب النصوص الما ورائية...

> -4 كيف نستطيع تطبيق هذا المصطلح على النصوص الإبداعية ؟ وهل نستطيع تطبيقه على جميع، النصوص؟
>> - كما سبق الذكر فإذن هذا المصطلح لا يمكن تطبيقه إلا على النصوص التي لا تدخل في خانة الشعر التقليدي... والشعر التقليدي، كما أوضحت، هو ما أصطلح عليه بالشعر العمودي وشعر التفعيلة...

> -5 في الأخير.. بما أنك صاحب مشروع ترجمة، نود التعرف على أهم المنجزات في مجال الترجمة والذي تعتبره من وجهة نظرك فيه الفائدة الكبيرة للثقافة العربية، وهل تعتبر الترجمة خيانة للنص الأدبي؟ هل، يضيف أو ينتقص من قيمة العمل، الأدبي؟
>> - أولا في ميدان الترجمة، لا بد من الإشارة أنه عمل، مضن من جميع النواحي. خاصة من الناحية، القانونية. لترجمة كتاب ما يجب الحصول على الترخيص. وهذه الإجراءات متعبة وتتطلب وقتا طويلا يقضيه المترجم في الاتصالات، سواء مع الكاتب، إذا كان حيا، أو مع دور النشر، أو ورثة الكاتب. لهذا يصعب، الحديث عن، مشروع. الترجمة دخلتها في بداية الأمر بشكل اعتباطي، حيث كنت أترجم بعض الفقرات لبعض الأصدقاء. فكانت ترجمتي الأولى تتم من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. بعدها، خاصة عندما كنت مسئوولا عن الترجمة بموقع أدبي إلكتروني ( إنانا ) قبل أن يغزونا الفيس بوك، كنت أترجم نصوصا شعرية لمرتادي الموقع. كما ترجمت بعض النصوص من الفرنسية إلى العربية لشعراء فرنسيين، خاصة الشاعر سان جون بيرس. بعد هذه التجربة دخلت غمار الترجمة عبر دار النشر الفرنسية " لارماطان "، حيث صدرت لي أول ترجمة لديوان شاعر تونسي. وبعدها كما جاء في تقديمك ترجمت الرواية والقصة القصيرة وترجمت مع صديقين كتابا يهتم بتاريخ المغرب إلخ.... أما من ناحية الفائدة، أتمنى أن أساهم في التعريف بكتابات عربية، كما أتمنى إغناء المكتبة العربية بترجمات كتب فرنسية. فالترجمة بالنسبة إلي تعتبر، في خضم هذا العالم الموبوء بالتطرف والصراعات، بمثابة ديبلوماسية الحضارات. هدفها تقريب الثقافات وجعلها تتعايش في سلم. أتمنى أن يهتم المسؤولون والفاعلون السياسيون بالترجمة ويشجعونها لأننا في حاجة إليها، علما أنها حاليا ضعيفة من ناحية الإنتاج.
حينما يتعلق الأمر بترجمة النصوص الأدبية أو غيرها، سبق وأن تحدث المترجمون عن كون الترجمة خيانة. أكيد هي خيانة، لكنها خيانة جميلة، حيث تصبح إبداعا على إبداع، بالنسبة للنصوص الأدبية. المترجم هو الذي، زيادة على تمكنه من اللغتين، يمتلك أيضا، الثقافتين، أي ثقافة كل لغة. لأن الترجمة ليست مسألة تقنية، بل هي التمكن من روح النص، وهذه الروح التي نحاول القبض عليها من خلال النص، هي روح الثقافة التي تولد عنها النص. وفي بعض الأحيان تكون الترجمة أجود من النص الأصلي، وهنا تتجلى الإضافة . أما حينما تكون الترجمة تقنية فقط، فبطبيعة الحال سوف تكون رديئة وتنقص من قيمة العمل الأدبي. للمترجم إذا مسؤولية أخلاقية كبيرة.

أدار الحوار/ وفاء دلالي
تاريخ النشر: 18/8/2019

أنظر:
المراجع التالية الخاصة بالحوار:
(1): HYPERLINK "Gaston Bachelard — Wikipédia" \l "Projet_de_m%C3%A9tapo%C3%A9tique" https://fr.wikipedia.org/wiki/Gaston_Bachelard…
(2): HYPERLINK "https://core.ac.uk/download/pdf/95742975.pdf" https://core.ac.uk/download/pdf/95742975.pdf
(3): HYPERLINK "Questions de poétique autour de la notion de genre… jusqu’au poème pensif de James Sacré" Questions de poétique autour de la notion de genre… jusqu’au poème pensif de James Sacré


  • Like
التفاعلات: أمينة أونيس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى