عبدالله البقالي - الياقوت في عجالة..

لا علاقة للإسم باللآلئ و الأحجار الكريمة. و إنما القصد هو سيدة من القرية تدعى بهذا الإسم. فأي شخص في القرية حتى و إن كان لا يعرفها، لا يد و أن يكون قد رأى هذه السيدة وهي تفد في الصباح الباكر من أقصى الجهة الغربية للقرية. و قد كانت في الغالب تضع على رأسها شيئا ما قد يكون قفة أو غيرها. و تلف جسمها دائما ب " حايك " صوفي و تسير باتجاه إحدى دور القرية التي تسكنها أسر عريقة.
هذه السيدة هي آخر ذاكرة حية لا تزال تعيش في القرية. قد تكون بلغت المئة أو قاربتها. و أهميتها ليست كامنة في ذلك المدى الزمني الطويل الذي عاشته، و إنما في العمر الذي قضته داخل البلاطات الصغرى لرجال السلطة و الأعيان. و علاقتها الحميمية الوطيدة بنساء مؤثرات. فهي على سبيل المثال كانت على صلة قوية ببيت " الخليفة الحسين" و اطلعت بسبب صلتها تلك على الكثير من الأسرار التي تهم الحياة الخاصة و العامة لكثير من الأعيان. و لعل هذا ما جعلها مهابة الجانب. و يحرص أغلب الناس على علاقة بها تخلو من الصدامات.
ما يهمني في هذه الشخصية هو ما له علاقة ببعض وقائع طفولتي. فقد جاورتنا لسنوات طويلة. و كانت على صلة قوية بنا كما باقي الجيران. و كانت النسوة تتحلق حولها و يثرثرن كثيرا في أمور كن يتكتمن عليها في حضور الرجال و الأطفال. و ما يهم هو أني كنت في سن لم أكن أفقه فيه بعد معنى الكلمات. و حفظت مرة أنشودة كان الأطفال يريدونها كثيرا. و لكن هل كان الإعجاب أو أني كنت أود أن أبرز أني صاحب مهارة في الغناء، فقد انطلقت الى البيت و أنا أردد الأنشودة. و حين اقتربت من البيت، لاحظت أن أمي و الياقوت كانتا تنظران إلي باهتمام وهما صامتتين. و حين وصلت حيث كانتا تجلسان، طلبت مني الياقوت أن أعيد ترديد الأغنية. و بعدها صارت الياقوت تقسم أن صوتي جميل. و أني أتقن الغناء. و ظلت تطلب مني إعادة الأغنية و هي ترافقني مصفقة. و قد صدقت لحد أني رفعت من صوتي و صار صداه يصل دور كل الحي. و لم أفق إلا و المرأة أن تنقصنا علي و تفرغا في جوبا كأسا به خليط الماء و السوداني.
كانت النتيجة كارثية. و من يومها لم أعد أصدق أي كلام يصدر عن الياقوت. و صرت أرى في كل كلمة تقولها لغما يستوجب الحذر. أما الأغنية فقد احتجت إلى سنوات إضافية كي أعي ماذا كانت المشكلة الكامنة فيها. تقول كلمات الأنشودة:
دق الزين بنتو
القط أخرى " سوتو"
فالنوالة د عمتو.


عبدالله البقالي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى