أمل الكردفاني/ اللصوص - قصة قصيرة

لا أعرف لماذا شعرت أنها عرت جزءا من فخذها متعمدة ، والحق يقال أنها استطاعت أن تلفت انتباه الحيوان داخلي. غير أنني فضلت أن أشعل سجارة وأغادر العيادة لأفكر في عملي الأدبي الجديد ؛ ككل كاتب يعتقد أنه سيخلد نفسه بعمل أدبي لم يكتب مثله من قبل ، وكآخرين فضلوا إحاطة أعمالهم بقداسة مستمدة من القوى الما ورائية. كلهم أدباء يعتقدون أن لهم الحق في أن يعيشوا حياة ناقصة من أجل موت ناقص. وكغيري من الموهومين قفزت إلى مركبة عامة تعج بالبؤساء ؛ حيث عليك أن تكون دائما حذرا مع البروليتاريا حتى لا يهدروا كرامتك ، فهم لا يفهمون معنى أن تكون كاتبا عبقريا ، "البروليتاريا التافهة" قلت متحاشيا أن أحتك بهم جسديا..نعم..يجب على من بهذه المركبة أن يحكموا العالم ليملأوه بالحضارة والعدالة ؛ ماركس الأحمق. ثم هبطت من دولة البلوريتاريا وسرت في شارع واسع انحرفت منه إلى زقاق على جانبه نصف شجرة نخل وحيدة ؛ كانت شجرة قزمة. بائسة وحقودة ، هكذا بدت لي ؛ وأقدامي تحاول التوازن مع منعرجات الأرض ومنخفضاتها ومرتفعاتها المرهقة. هنا حيث كان جدي يسكن وبعد موته احتلت ابنة ابنته المنزل واعتبرته منزلها دون أي سند من القانون. وحين فتحت الباب حدجتني بنظرة شريرة صامتة صمتا متسائلا ؛ فقلت وأنا ارفع نظارتي لأمسح زجاجها بكم قميصي:
- جئت لابلغك بأنني رفعت دعوى لتقسيم تركة جدي والمنحصرة في هذا المنزل ، وسيتم توزيعه على باقي الورثة وبما أن الورثة كثر فلا سبيل إلا ببيع المنزل وستحصلين على حقك. غدا سيصلك الإعلان من المحكمة.
ثم درت على عقبي تاركا وجهها منذهلا وقد هبط عليها الخبر كالصاعقة. بعد مسيرة قصيرة وكما توقعت سمعت صوتها المرتعش يناديني ؛ زال عنها ذلك الصلف ، وتهدلت أجفان وجهها وأما خداها فقد سقطا تحت فكيها ككلب البلدوغ. نظرت اليها عبر كتفي:
- هل هناك شيء؟
- تعال...
- عندي جولة طويلة لأخبر باقي الورثة..تعرفين أنهم كثر...
رفعت كفها وقبضت أصابعه ثم بسطتها وقبضتها عدة مرات. فعدت أدراجي.
- أدخل..
ادركت انها ستفعل كما يفعلن جميعا... استخدام الجنس عبر تعرية الفخذ في بداية الأمر .. عليهن اللعنة...فاجرات ...
وحين جلسنا وعرت فخذها وفشلت في هذه المراوغة إذ أشعلت سجارتي وقلت:
- مشواري طويل .. ماذا تريدين..
تذكرت زميل دراسة سمين جدا يتحدث والبصاق يتطاير من وجهه ولسانه يخرج كلما تكلم بعينين براقتين بالغباء ، رأيته وقد تجسد في شكلها وهي تتحدث:
- أنت تعرف أنني لن اسمح بهذا..على جثتي .. (محاولة فاشلة أخرى لإخافتي)..عندما مات جدك مات في حجري (ضربت عانتها ضربتين ؛ في الحقيقة ضربت فرجها ولم اعرف ما علاقة فرجها بحجرها) ، مات وأنا الوحيدة التي كنت معه لأن كل اقاربه تخلوا عنه ... ألا استحق هذا المنزل... (ظللت صامتا) قل لي .. ماذا سيكسب الورثة من تقسيم ثمنه عليهم..بضعة آلاف لا تشتري اي شيء..
قلت:
- أقل من بضعة آلاف..
قالت:
- أنظر.. أنت ترى بنفسك... (همست بعينين مجنونتين) الأولاد في المدرسة...زوجي لن يحضر الآن.. (ظللت باردا) .. ماذا سيستفيد الورثة.. زوجي فقير ..يملك قطعة أرض لا يستطيع لا بناءها ولا بيعها لأنها وقف عليه من والده.. لو تم بيع هذا المنزل سيتشرد عيالي...
قلت مدعيا الغباء:
- يمكنك أن تشرحي ذلك للقاضي فلعله يتفهم وضعك...
نفضت رأسها وأصابتها لوثة فعرت نصف جسدها الأسفل لا لتغريني ولكن يبدو أنها كانت تحاول تخفيف حرارة جسدها بسبب الصدمة فرأيت ترهلا بشعا:
- القاضي لا علاقة له بكل ما أقوله لك...
قلت:
- لا أملك لك شيئا...
خرج صوتها كفحيح الأفعى:
- بل تملك..تملك أن توقف الدعوى.. أنت من رفعها وأنت من يمكنه شطبها...أنا أفهم قليلا في القانون..
- أنا لا افهم شيئا في القانون..صدقيني..لقد حدث كل شيء فجأة.. وجدت نفسي أمام المحكمة.. سألني عرضحالجي عن سبب تواجدي فلم أجد سوى مسألة البيت هذه.. حينها كتب طلب اعلام شرعي ونقدته عشرين جنيها ودخلت للقاضي ..
همست بذات الفحيح:
- يمكننا أن نطفئ هذه القضية هنا.. ماذا تريد؟..جسدي...
هززت رأسي وقلت:
- أنا مصاب بتكسر الدم وجسدي لا يطلب جسدا بل راحة..المزيد من الراحة..
قالت بعينين براقتين:
- مال...؟ ها؟...مال أليس كذلك..؟
قلت بتمنع أكبر:
- الأمر لا يتعلق بي وحدي.. فهناك ورثة آخرون...
قالت بتحدي:
- يمكننا أن نطفئ هذه المسألة هنا ..بل يجب أن نفعل والآن...
نهضت من كرسيها وخرجت من الصالة...
الصالة القديمة .. معروشة بسيقان الشجر الضخمة ؛ ومدهونة بلون أزرق لامع ، في منتصف الجدار قبالتي صورة جدي وهو مكفهر الوجه كجندي يرتدي جلبابا وعمامة وعباءة سوداء مهيبة ؛ الصورة الوحيدة له والتي التقطها قبل بضعة أشهر من موته..
عادت وهي تحمل بقجة ؛ بسطتها فوجدتها ذهبا.. قرطا وخاتما وعقدا على وسطه قطعة مستطيلة رقيقة السمك.
مدته لي فقلت:
- لا استطيع أخذ هذا...وحتى لو أخذته فلا يمكنني بيعه..
قالت:
- سأبيعه أنا وأسلمك ماله كاش...رزمة رزمة..المهم أن نطفئ هذه المسألة هنا..
قلت:
- وحقوق الورثة...
قالت:
- لا أحد سيهتم بهذا المنزل فهم يعلمون أن ما سيجنونه منه لا يساوي ثمن ذهابهم وإيابهم من وإلى المحكمة..
فجأة وجدتها ترتمي على صدري وتنفجر بالبكاء:
-لن تشردني أنا وأولادي...
ظللت باردا برغم محاولاتها بل اشتممت رائحة ثوم تفوح من فمها فدفعتها عني برفق.. ثم حملت بقجة الذهب:
- غدا سنذهب سويا لمحام لص ونسوي المسألة...أين أوراق ملكية الذهب..
خرجت بسرعة وعادت بالأوراق.
في طريق عودتي ؛ رأيت روايتي الأولى وقد طبعت ووزعت منها آلاف النسخ. بل وترجمت وانتشرت.. هذا الذهب يكفي لفعل كل ذلك ، الناشرون اللصوص لا يفعلون شيئا مجانا .. إنهم يمصون جيب الكاتب ويرمون إليه بالفتات ، كل هذا العالم يحيا عبر الاعتماد على سرقة بعضه البعض وبدون هذه السرقة تتعطل الحياة البشرية. لا شيء مجاني أبدا حتى الشهرة تعتمد على المال أو ربما تعرية الفخذ...
لن أذهب الى المحامي غدا ؛ في الحقيقة لم أذهب أبدا إلى محكمة ولا محامي ولم ألتق بقاض من قبل.. سأترك الأمور على حالها...هي لن تطالبني بالذهب وأنا لن أطلب توزيع تركة جدي المتمثلة في هذا المنزل اليتيم...سيكتفي كل منا بالاحتفاظ بسلاحه لاستخدامه تكتيكيا فقط.
فلتبق الأحلام هائمة فوق أفقها إذن.
قلت وأنا أدون أول حرف في روايتي المعنونة باليوتوبيا.

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى