محمد بشكار - الحاكمُ بأمْر الآه!..

سنةُ تفصلنا عن الانتخابات لنقرِّر هل سنكرر النموذج.. أو نبتكر نموذجاً آخر بكيان حكومي جديد ينقذ البلد من النَّكسة التي طالت بغمَّتها، أمَّا عني فأحبُّ أن أكون حاكما بأمر الآه، أليس العشق سلطانا ويمتلك كل السُّلط التنفيذية والتشريعية بما فيها الشِّعرية على آهاتنا، لذا لا أنصحكم أن تُنصِّبوني رئيسا بأمر الله، لأني لا أضمن لكم وأنا بتلك الطبقة على رأس الشعب، كيف ستكون تصرُّفاتي بعد أن صارت عُملتي باهظة في مكتب الصَّرف، وقد لا أنتظر وأنا أحكم بأمر الله أمرا ولو كان شورى من أحد، لأن العربي لم يَنْشأ على الديمقراطية من اللحد إلى اللحد، وقد تُصيب هذه الديمقراطية لسانه بداء العجْمة وهو ينطقها كالفقمة، فبالأحرى يتحلَّى بمبادئها التي تجعل القوة في غِمده سيفاً صُوريا من خشب!
أن أكون حاكما بأمْر الآه وأسْتمتع بترديد أغنية تُطلق سراح آهاتي أبعد مما يخْتنق مع أنفاسي، لَهُو أأْمَن لي ولغيري من أن أصبح الرئيس بأمر الله، فأنا ضَجِرٌ وأريد لمنْطقة حُكمي أن تتمتَّع بحيوية أكثر كفيلة بتسْليتي، وقد ينزعج البعض إذْ أبدو من شِدَّة ضَجَري مُتقلِّب المزاج، ولكن لو يعلمون أن هذا التَّقلُّب ينْعكِس إيجابيا على البلاد، فهي إذ تخْضَع لناموس أحوالي غير المُسْتقِرَّة تُصاب بالعدْوى وتنْتقل بكل مَرافقها المتهالكة إلى حال أفضل، وليْت بعض الأفهام تَعي أنَّ أفظع ما يقْهر الرئيس أنْ لا يُحرِّك المحكوم ساكنا مَهْما شدَّ الحزام وزاده بضنك العيش قهرا، وسُرعان ما سيصاب بالضجر من هذه الوضعية التي ارتضاها المحكوم لنفسه وهو يتضوَّر فقرا وجهلا وتسليما بالقضاء والقدر، سرعان ما سيعُضَّ الرئيس بأسنان الندم على أصابعه التي روَّضتْ بأصغرها الشعب ودَجَّنته على الدَّمع والطاعة، لكنه لم يكُن يتوقع هذه النتيجة فائقة العبودية، كان يريد نصفها فقط العُلْوي مثلا حيث يتحكَّم في التلاعُب بالعقول وأكْل الأمخاخ، لكن لا بأس أن يبقى النصف السفلي من الجسد طليقا يصْنع بعض الحركات التحرُّرية في الشارع العام على مرأى من كاميرات العالم، لابأْس أن يتلوى كالثعبان الصغير بكل الأوجاع ما دام رأسه المقطوع بين أيدٍ تُوجِّه تفكيره إلى ما يخدم مصالحنا ولا يُنقصها درهما في الرصيد، لا خطر، ولكن الرئيس اليوم مكظومٌ والشارع تنْقصه بعض التسلية، لم يكن يتوقع أن نتائج تدجينه للشَّعب سيُمكِّنه من امتلاك كل شيء الرأس وأطراف الجسد، يريد بعض الفوضى كالتي تندلع ببَعض الشُّهب النارية في الشعوب المجاورة، فهذه الحركات رغم أنها تحت السَّيطرة محسوبة الخطى خارج القانون بالمِسطرة، إلا أنها ستحقق بعض التغييرات الشَّكلية في واجهة البلد على عينيك أعرض أفخر أزيائي يا عالم!
وأحد أسباب ضجري في منصب الرئيس، خوف الناس من سُلطتي التي تُفْرِد أجنحتها على البحر والبر، فقد اسْتنْسَخوني فصار عقلي تفكيرهم وخطوي أرجلهم وشَبَعي بطنهم ولو جاعوا، أصْبحتُ لا أتجوَّل في الشارع إلا وألتقي مع نفسي، لا أحد يُعارضني ببعض الإختلاف الذي يجعلني أحبُّ صورتي كلما تطلعت للمستقبل في المرآة، لا أعرف هل من الخوف أو التقديس يصنعون مني توْأمةً لأنفسهم رغم أنَّا وُلِدنا جميعا أحرارا من أرحام مُتفرِّقة، وحْدة الشعب أو البلد لا تعني أن نصبح مُتشابهِين ككؤوس تنتظر من يملأ فراغها بالشاي غير بعيد عن رغيف عمامة القاضي، لقد ضجرتُ من هذا الوضع الذي صار الشعب على حاله الساكن ، يا للنَّدم، لم أكن أتوقع أن يصبح وعيه بهذه السطحية والضآلة أضيق من خاتم في أصبعي الصغير، ولا أصدِّق أن بضع سنوات حكومية قضيتها في تقويض التعليم على أيدي بعض ذوي العاهات السياسية الفاشلة، قد نجحت في تجريد شخصية الفرد على امتداد أجيال من استقلالها المطلق وهي تجادل في أخطر الأفكار التي تهدد وجودي، ماذا أصنع بشعب ميِّتٍ فاقدٍ للإرادة، وددتُ لو يفاجئني بحركة أو أخرى، وربما يجبرني على ابتكار قوانين ودساتير مواكبة لروح العصر، فأنا وإن كنت رئيسا للحكومة لا أستطيع التحكم في تطور عجلة التاريخ، وهي إذ تدور لا تستثني أحدا!
ألم أقل أُفضِّلني حاكما بأمر الآه لأصرخ بما يخْتلج في نفسي بين أنين وآخر، فما أكثر حبيباتي وما أقَلَّني بِعشْقهن حين أغدو نحيلا، لا أريد أن أكون رئيسا بأمر الله لتُلْجم المسؤوليات لساني، فالشكوى من رجل السلطة تعتبر ضُعفا، صحيح أنكم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، ولكنني أفضِّلني من الرعية لا تابعا ولا متبوعا بالمطالب والديون، كما أنَّ الحياة أقصر من أن أضيِّعها في مظالم الناس حسرات، ولا أحد يعتقد وهو ينصِّبني رئيساً بمشيئة الله، أنِّي أتلقَّى وحْيا يملي عليَّ واجباتي تجاه الشعب بترسانة السُّلط الممنوحة من السماء، كما لا أضمن لكم ما أصير حين تصير السلطة بيدي، فقد تلعب بأهوائي كما تلعب الخمرة ببعض العقول من مسافة الرائحة، وأفكِّر ما جدوى كل هذه القوة المُعبَّأة إذا لم أفجِّرها بإشارة تلتمع من فتيل رمشي، اللعنة على زمن انقلبتْ فيه مفاهيم الفروسية لتغدو الحرب باردة دون جُند أو أسلحة، أريد حرباً من لحم ودم أُظهِر بوقودها للشعب قوتي ليْشعر بوجودي، عندها سأحْمل لقب الفاتح قبل أن أستيقظ من الحلم وأنا لا أفتح غير زجاجة كوكاكولا، ولا أنسى وأنا أُنْعش جوفي بآخر قطرة في قعرها، أنْ أطلب من صاحب الدُّكان إضافة ثمنها لكُنَّاش ديوني المتراكمة إلى آخر الشهر!

محمد بشكار

(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 12 دجنبر 2019)



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى