امتنان الصمادي - اللعبة

مشيا سوية، وهما يودعان الطفولة حيث الصبا يختبئ حاملا لهما أجمل الأماني، قال الصبي للفتاة ذات الجدائل الطويلة التي يفكر في أن تصبح ملكا له عندما يكبران:

تعالي أعلمك لعبة جميلة، ستسرين بها جدا، تذكرت الفتاة ذات الجدائل الطويلة أنها تسأل نفسها كل يوم مئة مرة عن سر تعلق هذا الفتى الوسيم بها رغم أنه يركض بوسامته نحو مستقبل جميل مع أجمل الجميلات، وقالت: سألعب معك بشرط، أن تعلمني كيف اصطاد العصافير.

حك الفتى ذقنه، وفرك أذنه، فكر مليا ثم قال: قبلت.

لمعت برأسه اللعبة وهما يسيران بمحاذاة بركة صغيرة، قال لها: الآن سنلعب بالماء، نسبح حتى الضفة الثانية للنهر، ومن يفوز يحقق أمنية الآخر.

وافقت الفتاة دون تفكير، نزلا الماء البارد، بدأ الماء يحمل الجسدين بخفة، تسربت السعادة إلى قلب الفتى، بدأت الفتاة تشعر بالدوار، أسرع الفتى، ثقلت يدا الفتاة، وصل إلى الضفة الثانية، غرق صوتها المحمل بالماء الكثير، بدأ يصفق تشجيعا لها، حاولت أن تبتسم لأنه يلعب معها لعبة، لو فازت بها ستتعلم منه الكثير الكثير، لكنها حزنت قليلا؛ لأنها لم تخبره من فرط سعادتها أنها لا تعرف السباحة.

متعة

فتحتُ الكتاب ذات مرة، تتبعتُ جمله الطويلة بطول جدائلي البيضاء، ولما استعصى عليَّ احتواء الضفيرة بين يدي، رحتُ أفكِّكها خصلة خصلة، فبدأتْ صفحات الكتاب تذوب، والحروف تنسل من بين الكلمات، وأخذتْ أوراقه تتساقط الواحدة تلو الأخرى، نظرتُ إلى سجادة الصالون العجمية وإذ بها ملأى بالأوراق البيضاء، انتابني شعور غريب، فقد كنت وعدت أخي بإرجاعه مكانه بعد الانتهاء من قراءته.

أمسكت برأسي المتثاقل، وإذ بالكتاب كلِّه في عبوة دماغي، تحسست خصلات شعري وأنا منهمكة في امتصاص رحيق الكلمات، فأعجبتني، لكنّ لسعة لذيذة مرّت على لساني عندما تخيلتها، من شدة الجوع، ألواحا من الشوكولا، واكتشفت كم هي جميلة تلك الخصلات السوداء عندما نغريها بمتعة الأكل.

حاولت أن أقيد موعد طبيب الأسنان لأقول له: ملعونة ألواح الشوكولا المرسومة على جدران حائط عيادتك، فكلما فكرت فيها تساقطت أسناني الواحدة تلو الأخرى.

نساء في الغابة

توقفت النساء القرويات الجالسات في الغابة، الملفعات بالخوف حينا، وبالبرد حينا آخر، عن انتظار الحطَّاب ذي الشفاه الغليظة الذي كان يأتي كل مساء ليحكي لهن الحكايا عن نساء جميلات يشبهنهن في اتساع الصدور، وفي عذوبة لون العينين المستمد من بحر لا نهاية له، وفي جدائلهن القوية، التي كان حاكم المدينة المجاورة يصفها بأنها تصلح لصناعة الجسور التي تصل المدن ببعضها.

لكن الحطاب لم يحدثهن بأن تلك النساء يعشن في الحدائق العامة ويعرفن كيف يصنعن طبق الحساء من خليط روائح الزهور والبخور المستخرجة من الغابات البعيدة التي تعيش فيها نساء قرويات لم يعلِّمهنّ ذاك الحطّاب سوى صنع أعواد البخور.


امتنان الصمادي

امتنان الصمادي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى