نحَّاتون عرب: المواد الخام مثل حروف الأبجدية.. نحت - أجرى الحوار : جعفر الديري

ربما يكون التقاء النحات بخامة الخشب أجمل من لقائه خامة أخرى، ذلك أن الخشب ارتبط بالإنسان في جميع مراحل حياته. وقد جاء اختيار سمبوزيوم البحرين الدولي الثاني للنحت، بمتحف البحرين الوطني في العاصمة المنامة، لخامة الخشب، موفقا كما يرى المشاركون من النحَّاتين العرب.
شارك في سمبوزيوم البحرين الدولي الثاني للنحت من البحرين خالد فرحان، علي المحميد، وخليل الهاشمي، ومن سورية محمد بعجانو، ومن مصر هاني فيصل، ومن لبنان سامي بصبوص، ومن الكويت أحمد البناي، من عُمان أيوب البلوشي، ودومنيكا من بولندا، جان من اسبانيا، بيكار من بلغاريا، جورج من يوغسلافيا، جانين من المانيا، جومبير من جورجيا، و كامل كوفان من تركيا. وكان لـ «الوسط» هذا الحوار مع المشاركين...
* فيما عدا ملتقيات النحت في العالم والوطن العربي تبدو فكرة سمبوزيوم للنحت في البحرين فكرة رائدة على مستوى الخليج. ولكن استخدام خامة للخشب في هذا السمبوزيوم الثاني هل جاءت موفقة في رأيكم؟
- بعجانو: في النحت المباشر لا توجد غير خامة الحجر أو الخشب، فالنحات لا يملك غير العمل على هاتين الخامتين. لكن ما يميز كلا منهما هو أن الحجر يوضع في ساحات عامة. بينما الخشب يوضع في أماكن ذات احتكاك مع الناس. وشخصياً أجد أن العمل على خامة الخشب مناسب جداً في هذا السمبوزيوم وخصوصاً أن البحرين سباقة في هذا المجال بالنسبة إلى دول الخليج العربي. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فإن النحات هو صاحب القرار وهو القادر على صنع الجمال. سواء باستخدامه للحجر أو للخشب الموجود منذ آلاف السنين في مصر وفي الحضارة الآشورية وعند جميع نحاتي العالم. فالمادة الخام مثلها مثل حروف الأبجدية وهي أمام الجميع. وخيار النحات أن يقوم بعمل فني أو لا. فأنا مثلاً أتعامل مع خامة الخشب على أساس أن لكل خشبة شخصية. وهو ما أحاول أن أتميز به عن بقية النحاتين. فأنا متأثر جداً بالبلد الذي أعيش فيه، حين أستحضر المفردات القديمة وأحاول تطويرها مع لغة تساير لغة العصر.
- البناي: أؤيد فكرة كون البحرين رائدة في هذا المجال. فنحن حتى اليوم نرى أن اهتمام الكويت بهذا محدود وليس أدل على ذلك من أننا في الكويت لا توجد لدينا كلية تخصصية. مع أن هناك خامات بشرية قدمت الكثير إلى جانب خامات أخرى يتوقع لها أن تقدم الكثير. فمثلاً إلى جانب سامي محمد الذي توقف عن النحت الآن. كان هناك المرحوم عيسى الصقر الذي اشتغل على البرونز والخشب والخزف. والقفاص وهو من النحاتين المهمين. هذا إلى جانب الجيل الجديد من الشباب الذي يأمل في اهتمام أكبر من قبل الدولة.

طريقة غير مباشرة

* عند التأمل في مجموعة الأعمال النحتية. طرأت على بالي تلك الأفكار التي يمكن أن تشكل بالنسبة إليكم رافداً وعنصراً مهمًّا في ابداعاتكم النحتية. فهل لاتزال تلك الأفكار التقليدية عن المرأة والحرية والإنسانية تشغلكم وتحرككم للابداع؟
- فيصل: تشغلنا تلك الأفكار نفسها كما شغلت من قبل نحات الحضارات القديمة. ولكن الشيء المؤكد أننا لا نتعامل معها كما كان يتعامل معها النحات القديم. ذلك، أن النحات في الحضارات القديمة كان يتعامل معها بطريقة مباشرة. لذلك، نجد بعض النحاتين في الحضارة الرومانية وعمدوا إلى جماليات جسم المرأة فصوروها كما هي. بينما تجد اليوم لكل واحد منا حساً معيناً يعبر به عن أفكاره بطريقة مختلفة باستخدام خطين متوازيين أو باستخدام خط منحن بدلاً من أن يلجأ إلى الطريقة المباشرة. والحق أننا لدينا اليوم مدارس كثيرة ¬ وذلك على عكس الأمس ¬ يستطيع النحات أن يتحرك من خلالها بشكل أكثر حرية.
- بصبوص: ربما تكون مسألة الأشكال الهندسية أكثر حضورا عند النحاتين في الغرب. بينما نحن الفنانين العرب لانزال نرى العمل بثلاثة أبعاد بينما هم لا يرونها بتلك الأبعاد الثلاثة فهم يركزون على الشكل الهندسي فقط.

المحافظة على الذات

* فكيف إذاً تستطيعون النظر إلى سقف عالمي، بينما تمسكون بأدوات محلية وكيف تستطيعون المواءمة بين أفق منفتح وبين تراث حضاري متصل بكم؟
- بصبوص: أعتقد أن أهم شيء هنا هو المحافظة على الذات والاشتغال عليها. فمن المهم أنك عندما تتخرج من مدارس النحت في أوروبا أن تكون هاضماً لما تعلمته لكي تكون قادرا على تقديم شيء خاص بك، إذ من الخطأ أن تعود بعد دراستك وتقوم بتقليد ما تعلّمته. فذلك لا يمنحك الفرصة للتعبير عن خصوصيتك واحساسك.
- فيصل: هناك من يردد مثلاً أنه استفاد من التراث المصري. ويزعم أنه ذو أسلوب مصري قديم. ولكنك عندما تتعرف إليه تجد أنه لم يقم سوى بنقلها. بينما الاستفادة الحقيقية من التراث ومن الدرس تتجسد في التعلم والهضم وانتاج شيء مختلف.
- فرحان: أنا شخصياً غير مقتنع بوجود تلك الحدود بين العالمية والمحلية، بمعنى أنك لا تستطيع أن تفرق في عمل نحتي بين نحات عربي أو عالمي.
- فيصل: أنا أختلف مع هذا الرأي. فهناك فارق بين عمل نحت يقدمه نحات أوروبي أو نحات عربي أو نحات آخر. لكن عند الحديث عن العالمية فأنت تستطيع أن تقدم شيئاً خاصاً بك وفي الوقت نفسه أنت قادر على مخاطبة الإنسان في كل مكان.

عائلة البصابصة

* عائلة البصابصة هي عائلة معروفة في لبنان في مجال النحت. فكيف استطاع سامي بصبوص أن يخرج بلغة خاصة به أمام هذا الإرث الكبير؟
- بصبوص: لا شك أنها كانت تجربة صعبة ومرّت علي فترات كنت أرى فيها من يشاهد عملي يقول ببساطة انها من أعمال بصبوص ولكنه لا يذكر اسمي. ولكنني استطعت في وقت قياسي أن أحقق ذلك التميز. ففي لبنان كان هناك القليل من النحاتين وكانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة كحليم الحاج والحويك. ولكن في العام 1958 نشأت عائلة البصابصة في لبنان التي درست في باريس وقدمت أعمالها في متاحف عالمية ومن ثم نزلت لبنان في الستينات وانطلقت على يدها أعمال تجريدية. وجاء التغيير الكبير على يد ميشال بصبوص ومن بعده الفريد ومن بعده جوزيف. وهم 3 اخوة غيروا النظرة إلى النحت في لبنان. ومن بعدهم بدأ العمل في مجال النحت بشكل أكبر. اليوم إلى جانب البصابصة هناك سمبوزيوم النحت في لبنان الذي بدأ منذ العام 1994 وتنقل بين عالاين، جبيل، اهدان، جونيا.

الاشتغال على الجرانيت

* وما وضع النحت في مصر اليوم، هل هناك وجوه شابة جديدة تشتغل عليه؟
- فيصل: لقد مر النحت أخيراً بفترة هدوء، إذ كان الناس يتحدثون عن النحت الأكاديمي منذ 10 أو 15 سنة. حين بدأ الاهتمام بالأعمال المركبة والفيديو آرت والأعمال ذات الحداثة والتجديد. وكان النحت بحاجة إلى عاصفة حتى يستطيع الالتفات إلى نفسه. وذلك ما حدث في العام 1993 بسمبوزيوم أسوان العام ،1993 إذ قام مجموعة من الشباب بقيادة آدم حنين وهو نحات مصري كبير بعمل سمبوزيوم في أسوان في مكان كان للجرانيت حضور كبير. وهو سمبوزيوم يعتبر الأطول على مستوى العالم. واليوم تذهب إلى المعارض فتجد الشباب أنفسهم بدأوا العمل على مادة الجرانيت، بعد أن كان العمل على الجرانيت انتهى.

شخصية النحت السوري

* تجربة النحت في سورية لها امتدادها لا شك. ولكن أعرف أن لك رأيا بشأن جيلك من النحاتين. فهل لاتزال ترى أن جيلك هو من صنع ولايزال شخصية النحت السوري؟
- بعجانو: نعم مازلت اعتقد بذلك، ففي البداية كان هناك شبه نحت بدائي في سورية. فقد كان هناك سعيد مخلوف الذي كان أول من حاول أن يشكل في قطع خشبية ضخمة. وكان له أسلوبه الذي لم يلائم الكثيرين. بينما كانت هناك مجموعة سافرت إلى الاتحاد السوفياتي سابقاً وإلى أوروبا وجاء كل منها بأسلوب. بينما جيلي حاول أن يبني ويؤسس لشخصية النحت السوري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى