رحيمة بلقاس - الفردوس المنشود

لا أفهم ما بعتريني حين أرفع عيني لأرى صورته، كأنني أسمع أنفاسه وهو قادم لزيارتي يطوي الدرج ليدخل عبر الباب مبتسما : أختي الغالية لا أشعر بالسعادة إلا حين أكون بقربك، ليتك كنت قريبة منا ، ولم تحملك الأقدار منفردة هنا في هذه المدينة بعيدة عنا. إنني أختي هناك أشعر بغربة . كثيرا ما كنت أذهب لزيارة أهلي ، وأراه يتسلل إلى البيت بعد موت والدتي ،كما الغريب ،يا لسخرية الأقدار! ورهبة اللحظات! تتفجر ينابيع الشجن بين أضلعي، لتؤوب إلى رمال الروح حرائق تتسرب في جوفها، أضرمتها خيبات وحسرات ، حيرى أتلو صلوات الأسئلة . لا أجوبة ! لا أخبار! تعود بي تقاسيمه ، وهو جالس على كرسي المقهى، وبخار فنجانه يتناغم مع دخان السجائر.يكاد يحجب وجهه، شاردا .. مستأنسا..بضجيج المكان،وبلبلة هنا وهناك..قهقهات باهتة..ومشادات لطيفة يتباذلها لاعبوا الورق..لا شيء يقتل الضجر المميت..والفراغ القاتل..في متاهة المهانات ومذلة الحاجة والعطالة. يتحرك من كرسيه كما لو رأى ملاكه المنقذ، كما الطفل يرتمي في حضني: أختاه! ـ أخي حسام كيفك. ـ كما ترين أختي ، أنتظر الفرج. ـ أخي لا يأتي الفرج هكذا بالجلوس على المقاهي. ـ وهل وجدت عملا ورفضته، أحتاج لمبلغ لكي أغادر هذا العالم إلى حيث أعيش وأحقق أملي ، إلى حيث أعمل وأشعر أنني إنسان، سئمت هذا البلد وتعسفاته. أتجرع كلامه مرارة ،والدموع تنهمر رغما عني. تتعاقب في ذهني صور لقاءاته. وتتراءى لي تلك الصورة ، حين خرج من البيت متأبطا حقيبته الصغيرة ، لا تحوي إلا زادا بسيطا ، متدثرا بملابس صوفية تقيه لفحات البرد القارس،وحذاؤه يشد إحكامه على رجليه، فكأنه لن يقلعه أبدا. كان ذهنه يثب من خاطر إلى خاطر.كنت أراقبه وأحسه..أقرأ ما يدور بخلده بحكم قربه مني وارتباطنا القوي، بعد موت أمي كنت له كل شيء. غبطة تخالطها دهشة واضطراب. هل فعلا أخيرا سأذهب إلى أوروبا وأعمل، أشتري سيارة..بيت .. وأتزوج ..ويكون لي أبناء.. كانت فرحة واضطراب..بهجة بانقشاع الغمام وانفتاح الأبواب..وخوف من الطريق الشائك ..لازال أمامه عناء السفر وما يحفه من مخاطر وعوائق..البحر وشرطة الحدود.. والمخاطر والأهوال... غاليتي أختي لن أنساك أبدا ..لن أنسى مساعدتك لي ... هذه الجملة التي ودعني بها ..تلوح في أفق ذهني ، لتغتال الكرى من عيني، وأضرب كفا بكف حسرة وحرقة. ركب زورق الموت ليعبر للفردوس.. للجنة .. فهل حقا وجدها؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى