سميرة حسن طباسي - خلف الجدران

بالكاد أنهى العقيد بدر، كوب الشاي، في مقر عمله، حتى ورده بلاغ، بوجوب التوجه، إلى استراحة، يُشتَبه بوجود ارهابيين بها.

جمع بدر رجاله، وركبوا سياراتهم، وتوجهوا إلى المكان المنشود، وترجل أحدهم وطرق الباب، وعندها فوجئ الجميع بوابل من الرصاص من كل مكان.

استمر تبادل الرصاص، ما يقارب الساعة، أسفرت عن قتل بعض الإرهابيين والقبض على البعض، كما أسفرت عن إصابة ثلاثة من رجال الشرطة، أما العقيد بدر، فلقد ضربه أحدهم بسيارته، قبل أن يتم القبض عليه.

استيقظ بدر في المستشفى، وبجانبه زوجته وولديه المراهقين أحمد، وعمر، وابتسامة مشوبة بالخوف على وجوههم جميعا.

اقتربت الزوجة من بدر، وطمأنته على صحته، وأخبرته بأن كل ما في الأمر، كسرين في رجله.

أمن الطبيب على كلام الزوجة، وأخبره بأنه يحتاج إلى فترة من الراحة في المنزل قبل أن يعود إلى العمل، فاطمأن بدر، إلى وضعه، وحمد الله، أن الأمر لم يتجاوز هذه الإصابة.

بعد أسبوع، عاد بدر إلى المنزل، ومع الأيام بدأ يشعر بالملل، كيف وقد كان مشغولا طوال الوقت بعمله، ويشهد الجميع له بالتفاني، وبأنه دائما يضع عمله، على رأس أولوياته.

ومع أن زملاءه في العمل، وأصدقاءه، كانوا يزورونه باستمرار، إلا أنه كان لزاما عليه أن يحاول تسلية نفسه، بشتى الطرق، مع التلفاز تارة، ومع (الانتر نت)، تارة أخرى.

وذات يوم، وأثناء مشاهدة بدر، لفيلم على جهاز (اللاب تب) الخاص به، توقف الجهاز، دون سابق إنذار، فانزعج كثيرا، فما كان من زوجته إلا أن أحضرت له جهاز ابنيهما ليكمل الفيلم الذي بدأه.

شغل بدر الجهاز، وعندها، بدأت بعض الرسائل تصل عن طريق (الفيس بوك)، فدفعه الفضول، بأن يدخل صفحة صاحب الرسالة، وهنا أصيب بصدمة، أنسته الحادث، والألم، والملل أيضا، فالرسائل تتحدث عن التكفير، وعن السفر للخارج للجهاد.

بدأ بدر يدخل على صفحات أصدقاء أبنائه، الواحد تلو الآخر، وبعد ساعة من التصفح، أحس بأن الدنيا تدور به، وبأن رأسه يغلي، وأخذه خياله إلى البعيد، فتخيل ابنيه، أو أحدهما، في مواجهة معه، وأخذ يتخيل كل المداهمات، وحوادث إطلاق النار التي خاضها، وكم أحس بالرعب عندما بدأ يرى وجهي ولديه بين أولئك.

نادى بدر زوجته، وأطلعها على ما اكتشف، لتكون صدمتها ليست بأقل من صدمته.

عاد الولدان من المدرسة، فوجدا والديهما جالسان متجهمان، تبادل الأربعة نظرات الاستفهام، ثم نهض الأب، معتمدا على عكازه، وضم ولديه إلى صدره.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى