محمد الشحات - ثلاثية رحلة الحزن والألم.. شعر

1- البداية

أماط اللّثامَ
عمّا كان يخفى،
ليغلقَ صفحتَه
ويبدأ من أوّلِ الخطّ
رحلتَه.
***
ارتقى سلّمًا،
علّه
ينتقى أىّ نجمٍ
ينيرُ له
كلَّ ما زاره
من ظلمةِ الدهر.
***
ضاقت به الدنيا،
فأغلقَ وجهَه
ومضى
يُقاوم
رجفةَ الجسد المعذّب
مسرعًا
كى ينتهى.
***
كان يودِّع طفلتَه
ويُرتِّب غرفتَه
وينظر نحو الباب
لعلّ القادمَ يخلفه
ولا يأتى.
***
أخفى ضحكتَه
وانتظر مرورَ الأيّام
ليعرفَ كيف سيُكمل قصّتَه.
انتصف العمرُ،
وما زال يحاول أن يبحث
عن شىءٍ
يصدّقُه.
***
أغلق عينيْه
وتمنّى
لو عاد إلى أيّام طفولته.
أفرغ من جعبته
ما زاد فيها،
والتقط خيوطًا من سيرته
وحاول أن يَنسج ثوبًا
يلبسُه.
***
خطَّ الشيبُ
جوانبَه.
تمنى لو أنّ المرآة
تخادعُه.
أطال النظرَ وأمعن،
وتذكر سيرتَه.
***
ظلّ يمارس وحدتَه
حتى لا يفجَأَه
ما لا يعرفُه،
ويردّد أغنيةً
لا يذكر إلّا مطلعَها؛
يتوه بها،
ويعود،
ليبحثَ عن لحنٍ
كى يُكملَه.

2 – الوسط

رائحة تأتى من حيث ينام أبى
كنت أمنى النفس
برائحة تأتى
من حيث ينام أبى
فلعل مواجع قلبى تهدأ
كنت أراوغ حزنى
لا أبدو مرتبكا
حتى حين يجىء الفرح
ألازمه،
كنت تعلمت مراوغة الأشياء
فأمرر ما يبهجنى
وأحاول أن أخفيه
وأرسم عينا تضحك
قبل فوات الوقت
أحاول أن أغلقها
أرسم فى أوراق العمر
زهورا ومروجا تبهجنى
وأحاول أن أغلق بعض الأبواب
وأفتح نافذة
كى أرقب منها
من سيجىء
لأفتح كى أدخله
أو لا أدخله
كنت أحاول أن أبدو مبتهجا
كى لا أسقط فى بؤرة
من يمضون ولا يأتون
وأردد فيما بينى وبينى
أغنية
«الدنيا ربيع.. والجو بديع»
فيضحك منى
ما كنت أحاول أن أضحكه
وأعود لأبحث عن رائحة
جاءت من عند أبى
لأمنى النفس بها..

3- الخاتمة

حين انتهيت من البكاء،
تركت وجهى يستحم بما بكيت
وجلست أبحث عن دموع،
كنت قد أخفيتها
علَّى إذا ما ضاق صدرى
أنتحى جنبا
وأفرغها
فهل نضبت بحار الدمع،
أم عادت دموعى تستسيغ
بكاء عين؟
وهل انتهيت من المواجعِ
كى تجف مدامعى
أنا لم أزل أبكى على وطنى
على أشجاره يوما إذا عصف الهواء
أبكى على أطفاله
لو أنهم لم يضحكوا فى لهوهم
لو أن بسمتهم
توارت عندما يأتى المساء
على النساءِ
وشوقها
فى كل يوم فى انتظار الغائبين
على صغيرات
مشَين على الطريق
بحزن أيامى.
هربن من العيون الراصداتِ
الخطوَ فى ليل اليتامى
وعلى رجال عندما
اشتدوا على عَوَزِ الحياةِ
ويطرقون الصخر
كى ما تنبت الأزهار
أنا مفعم بالحزن
ماذا حين تنتهك الطفولة،
عندما يأتى الرصاص
فيفرغ العين الصغيرة من براءتها
وينزع روحه تلك التى أمر الإله،
بأن قتل النفس قتل الناس.
يا حزنُ..قل.. لىّ
كيف أفرغ،
كل هذا الحزن من وطنى
وقد جف البكاء!


محمد الشحات

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى