عبدالله البقالي - شامة..

في منتصف الستينيات ظهرت " فاطما و شامة " في أزقة غفساي، و كأنهما نزلتا من الفضاء. إذ لا أحد استطاع أن يتعرف على هويتهما، و لا الصدف التي يمكن أن تكون قد قذفت بهما إلى حيث ظهرتا.
كانتا في منتصف العشرينات. جمال أخاذ و أنوثة مكتملة. و من الوهلة الأولى فقد بدا التباين واضحا بينهما. فبالقدر الذي بدت فيه شامة صعبة المراس و منفرة بسبب(زفور) رائحة البول التي تنبعث منها، و التي تبين لاحقا أنها اتخذتها كسلاح لا يشجع على الاقتراب منها مادامت لا تجد في هذه الدنيا سندا تعتمده لحماية نفسها، فقد عبرت "فاطما" عن استجابة و رغبة في الاحتفاء بالحياة. و حرصت على نوع من الاناقة على قدر استطاعتها. و تزينت في ادنى الحالات بالسواك و الكحل. و كانت تنتشي بالغزل الذي كانت تتلقاه من حولها. و قد شكل هذا نقطة خلاف حادة مع شقيقتها التي لم تكن تهاجم المتغزل فحسب،بل و تنتقد شقيقتها بشدة فاضحة سلوكهاو اسرارها للمدى الذي كانت تنشأ معه قطيعة تمتد لشهور. و تعلن تبرؤها من اخوتها لها. لكن شامة و ان كانت تعيش التشرد، فقد كانت تعبر عن احساس عميق بالالفة و الارتباط الاسري و العائلي. وهو ما كان يدفع بها الى معاودة البحث عن اختها و تجديد علاقة الصلة بها. و ان تلك الشراسة التي ارتبطت بها، كان العالم هو المسؤول عنها مادام أنه كان يخاطبها من زاوية وحيدة كانت تستدعي منها فتح بوابة سخطها.
تزوجت فاطما بدون توثيق من رجل كان هو نفسه يقف على ضفاف التشرد. رجل وحيد مهوس بماض يحكي فيه عن بطولات تغنيه عن أشكال فقر الحاضر.
كان "القن الأكبر" يشتغل في الأسواق يحمل ادوات تستعمل في كيل الحبوب. يعيرها للباعة فيحصل على بعض القروش القليلة لم تكن كافية لتغطية حاجياته. وكان يضطر لقصد أسواق بعيدة تتطلب منه الغياب عن البيت لعدة أيام. و كان يوفر لزوجته ما ستحتاجه من طعام أثناء غيابه. و قبل ان يغادر، كان يربطها حتى لا تفر من البيت. لكنها في كل المرات كانت تنجح بمساعدة أختها و تعود لدروب التسكع. و حين كان يعود، كان يجن جنونه و يعمد ألى بندقيته العتيقة التي يحملها على كتفه، و ينطلق باحثا عنها تحت متابعة الكثيرين. و حين كان يراها، يتخذ وضعية الاستعداد لاطلاق النار و يطلب منها التقدم رافعة يديها. ثم يأمرها بالسير أمامه وهو مسددا بندقيته صوبها كمقاتل وقع في الأسر.
أثمر زواج فاطما عن "القن الأصغر" الذي هو نفسه حكاية أخرى. بسبب ما عاشه و ما تعرض له في طفولته. لكنه حين كبر و اشتد عوده، فرض نفسه بقوة على الجميع. لم يذهب للمدرسة. وهو إحساس منى نفسه به حين لم يعد يجالس سوى الطلبة الذين تعلم منهم أشياء كثيرة عمقت لديه الإحساس بالنقمة و كراهية المؤسسات و الحكام. و صار أكثر عدوانية مع تقدمه في السن. و حين كان يعود الطلبة إلى مدارسهم، كان الإحساس بالعزلة يتنامى لديه. و نهج سلوكا صنع من خلاله شيئا ينصرف إليه هو الآخر على ان يعود للقرية مع انقضاء الشتاء و الفصول الباردة.
حفظ قانون عقوبات الجنح و الجنايات. و صار يقترف واحدة تجعله يدخل السجن لخمسة او ستة شهور، ليكون متواجدا في القرية عند نهاية الر بيع و بداية الدفء.
على هذا المنوال انتظمت حياته، إلى أن انتهت بشكل مأساوي حين وقع ليلا في احد الآبار وهو في حالة سكر وهو في ريعان الشباب
لا أحد خبر طباع الناس و تقلب أمزجتهم مثلما فعلت شامة،التي لا يبدو عليها أنها انشغلت بإيجاد تفسير لذلك. فكل شخص في الشارع هو مشروع معركة. معركة قد لا تتأسس على شئ، بقدر ما قد تكون مرتبطة برد فعل عفوي من قبل عابر حين تقع عيناه عليها وهي ملفوفة في تلك الأسمال او حين تتناهى إليه رائحتها المنفرة، فيضطر للتعبير عن اشمئزاز .
لقد كان لها شريعتها التي لا تقبل اللين او التهاون في تطبيق ببنودها و الرافضة لأي تذمر أو سخط للمتعاملين معها. و متى حصل ذلك فهذا يوقع العابر في عقوبة من عقوباتها ذات السلالم المتدرجة. و التي تعتمد التشهير و الفضح من خلال نزع ذلك الغطاء الزائف الذي يتستر به الناس و ينسجون صورا وائفة عنهم. و قد يكون مثيرا للدهشة و العجب قدرتها على تدوين و بمنتهى الدقة أسماء و أنساب و كل ما يتصل بسير العائلات التي تقطن المنطقة بأسرها بما في ذلك الدواوير البعيدة جدا. و كل ذلك مقرون بنوع الفضائل و الرذائل التي تطبع تاريخ كل اسرة، لحد أن مكتب الاستعلامات بالقربة كان أحيانا يستدعيها ليعرض عليها صورا لأشخاص. فتحدد بكل دقة من يكون، ذاكرة اسم الأم و الأب و الإخوة و الأخوات. و هي إن لم تكن تعي قيمة المعلومات التي كانت تقدمها، فإنها بالمقابل كانت تدرك جيدا أن ذلك كان سلاحها الفعال و تهديدا بوضع كل واحد داخل الخانة- التي ينكرها- أمام الملأ. كاشفة زيف ادعاءاته في كونه إنسان محترم. وهو ما كان يدفغ بالكثيرين لاسترضائها و تجنب شرها.
كان كل تعامل إيجابي معها من تبادل التحية إلى تقديم المساعدة يجعلها تنظر إليه من شرفة لا يلوح من خلالها إلا كل ما هو جميل و خير داخل السلالة التي ينحدر منها. و أي إشارة سلبية كانت تدفع لفتح الكتاب الآخر. كتاب السير الملوثة و الوضاعة و النذالة.
مشكلة شامةكانت حين تواحه جماعة من الخصوم و المناوئين الذين يستلذون بمشاكستها.، و الذين هم في الغالب" الكراي" أو أطفال متمردين لا يعيرون أهمية لأسلحتها. وهي في وضع كهذا كانت تراهن على رفع صوتها محاولة دفع الكبار للتدخل. و حين كان ذلك لا يجدي نفعا، تستخدم الحجارة او أي شئ آخر قد يحدث الأذى. و حين تيأس من ذلك، لا تتردد حينها من أن تتجرد من ملابسها كاشفة عورتها. فيخلو الشارع على الفور و كأنها فجرت قنبلة.
في الغالب حين كانت تنتهي من معركة، كانت تنزوي إلى ركن جانب الشارع و تجلس. تعبرها الاطياف و أصداء من المعارك التي لا تزال حاضرة بقوة في ذهنها. و تتصرف و كأن الخصوم لا زالوا ماثلين أمامها ، فتوزع عليهم اللعنات و الشتائم ...

لا أحد خبر طباع الناس و تقلب أمزجتهم مثلما فعلت شامة التي لا يبدو عليها أنها انشغلت بإيجاد تفسير لذلك. فكل شخص في الشارع هو مشروع معركة. معركة قد لا تتأسس على شئ بقدر ما قد تكون مرتبطة برد فعل عفوي من قبل عابر حين تقع عيناه عليها، أو حين تتناهى إليه رائحتها المنفرة، فيضطر للتعبير عن اشمئزاز .
كان لها شريعتها التي لا تقبل اللين او التهاون في تطبيق بنودها و الرافضة للتعبير عن أي تذمر أو سخط في حضورها.. و متى حصل ذلك، يقع العابر في عقوبة من عقوباتها ذات السلالم المتدرجة. و التي تعتمد التشهير و الفضح من خلال نزع ذلك الغطاء الزائف الذي يتستر به الناس و ينسجون صورا زائفة عنهم. و قد يكون مثيرا للدهشة و العجب قدرتها على تدوين و بمنتهى الدقة أسماء و أنساب و كل ما يتصل بسير العائلات التي تقطن المنطقة بأسرها بما في ذلك الدواوير البعيدة جدا. و كل ذلك مقرون بنوع الفضائل و الرذائل الذي يطبع تاريخ كل اسرة، لحد أن مكتب الاستعلامات بالقربة كان أحيانا يستدعيها ليعرض عليها صورا لأشخاص،. فتحدد بكل دقة من يكون، ذاكرة اسم الأم و الأب و الإخوة و الأخوات. و هي إن لم تكن تعي قيمة المعلومات التي تقدمها، فإنها بالمقابل كانت تدرك جيدا أن ذلك كان سلاحها الفعال و تهديدا بوضع كل واحد داخل الخانة- التي ينكرها- أمام الملأ. كاشفة زيف ادعاءاته في كونه إنسان محترم. وهو ما كان يدفغ بالكثيرين لاسترضائها و تجنب شرها.
كل تعامل إيجابي معها من تبادل التحية إلى تقديم المساعدة يجعلها تنظرر من شرفة لا تلوح من خلالها إلا كل ما هو جميل و خير داخل السلالة التي ينحدر منها. و أي إشارة سلبية كانت تدفعت لفتح الكتاب الآخر. كتاب السير الملوثة و الوضاعة و النذالة.
مشكلة شامةكانت حين تواحه جماعة من الخصوم و المناوئين الذين يستلذون بمشاكستها.، و الذين هم في الغالب" الكراي" أو أطفال متمردين لا يعيرون أهمية لأسلحتها. وهي في وضع كهذا كانت تراهن على رفع صوتها محاولة دفع الكبار للتدخل. و حين كان ذلك لا يجدي نفعا، تستخدم الحجارة أو أي شئ آخر قد يحدث الأذى. و حين تيأس من ذلك، لا تتردد حينها من أن تتجرد من ملابسها كاشفة عورتها. فيخلو الشارع على الفور و كأنها فجرت قنبلة.
في الغالب حين كانت تنتهي من معركة، كانت تنزوي إلى ركن حانب الشارع و تجلس. تعبرها الاطياف و أصداء من المعارك التي لا تزال حاضرة بقوة في ذهنها. و تتصرف و كأن الخصوم لا زالوا ماثلين أمامها ، فتوزع عليهم اللعنات و الشتائم...


عبدالله البقالي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى