صابر رشدي - قطرات الماء..

القطار يمضى، يشق ستار الليل، والمسافرون نيام، لاشئ هناك غير الصمت داخل العربات شحيحة الإضاءة، ورنين العجلات وهى تعزف لحنها الرتيب فوق القضبان، الذى يصل من الخارج ينبعث معه نشاط من الصور والذكريات .
كنت مرهقا، أحاول النعاس، ولكنى لا أستطيع، فأنا لا أ عرف الراحة أثناء السفر. أكون وحيدا، منضغطا بجبين متعب، تمر على الساعات، وترتحل الدهور، وينشغل عقلى بلاهوادة بتفتيت الوقائع، وإتلاف كل معنى قد يؤدى إلى نتائج غيز محببة .
الضوء والظلام،الماضى والمستقبل،كل الأضداد تهدر فى مخيلتى، ولا تعطينى فرصة لالتقاط الأنفاس.
ثمة رجل مسن يجلس على المقعد المقابل، كلما استيقظت من غفواتى المتقطعة وجدته ينظر إلى بابتسامة غامضة . .
فى المرة الأخيرة، اعتدل فى جلسته، ثم سألنى بنبرة مترفقة .
- ماكل هذا القلق؟
كنت أاشعر أنى فى غيمة، أراه من وراء سحابة .
- أنت تحبها .
قال معترضا مسارتفكيرى فى تلك اللحظات .
أخذتنى حيرة مباغتة .
- هى أيضا تحبك !
هنا لا ينبغى الإنكار وادعاء عدم الفهم .
- أعطنى جنيها ! قال
تعجبت، وتغيرت نظرتى، لكنى قررت عدم المجادلة .
أخرجت من جيبى ورقة نقدية .
أعادها إلى .
- أريد جنيها معدنيا، أعرف صعوبات حبكما، أعرف السدود التى تواجهكما .
ثم أردف .
- الجنيه المعدنى فى جيبك الآخر .
ناولته إياه مندهشا .
- إنها جميلة ياسيدى، أميرة من العصر الملكى . قلت .
- أعرف ذلك . قال .
ثم وضع الجنيه فى كفه، وظل صامتا لبرهة قصيرة .
- افتح يديك .
امتثلت أمره، فأخذ يعصر العملة بيده، فبدأت قطرات الماء تنزل فى كفى .
-امسح وجهك بهذا الماء .
كان للماء تأثيرسحرى متجاوز كل ما أعرف، ذهب معه كل جرح، كل ألم، كل وجيعة كامنة، ذهب السأم الذى يسلبنى راحة اليقظة .
- وهى ياسيدى ؟ سألت .
- هى الآن تمسح وجهها بهذا الماء فى منامها، وتخرج من آلامها .


صابر رشدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى