سعيد بوعيطة - مصاص الدماء..قصة قصيرة

إلى زوجتي..

جدي الذي أسلم قفاه المتجعد لمعلم الحجامة ، لا يبالي بوجودي. أنا الواقف بجانبه حافي القدمين. وبيدي كتاب القراءة المفقود النصف. رأسه ساكن ومعلم الحجامة يتمتم بعد أن ثبت أنبوبي النحاس على قفا جدي. الذي يمد بصره في فراغ ساحة القرية المحاطة ببيوت واطئة من التراب المدكوك. وقد بدا عليه التعب من كثرة ارتفاع ضغط الدم. قلت في نفسي :
ربما تذكر تلك الأيام الخوالي. أيام القوة و العز. حيث كان يأمر وينهى بإشارة من يده.
أخذ معلم الحجامة يمص الدم عبر تلك الأنابيب النحاسية. أنقل بصري في تقزز بين معلم الحجامة الذي يبصق بين الفينة و الأخرى داخل إناء بلاستيكي. وجدي الذي لايزال شاردا في الفراغ. فقلت هذه المرة متعمدا أن يسمعني الأخرون:
تفو ، تفو ،...
تمنيت أن أنزع تلك الأنابيب النحاسية. وأدفع معلم الحجامة حتى يتمرغ في التراب. لكن جدي الذي انتبه إلى وجودي في الأخير، نهرني كعادته. فتأبطت كتاب القراءة وجريت باتجاه الأطفال الذين يلعبون في ساحة القرية. الأطفال الذين لاحظوا ما جرى ربما منذ البداية .
ينقلون نظراتهم بين معلم الحجامة و جدي. يخفون ضحكاتهم. لكن أعينهم تفضحهم. حين اقتربت منهم . قال بعضهم لبعض:
لقد جاء ولد الشيخ، لقد جاء ولد الشيخ....
فأطلقوا ضحكاتهم البهلوانية. انخرطت معهم في الضحك. لكن حين نظرت إلى الخلف. التقت نظراتي بوجه جدي. فرفع يده دون أن يحرك رأسه الذي لايزال بين يدي معلم الحجامة مهددا إياي بالعقاب هذا المساء. هرولت أنا و الأطفال عبر الأزقة الضيقة التي تصب في ساحة القرية. لكن أيقنت أن ضغط دمه سيحوله إلى عقوبة هذا المساء ، هذا المساء،.....

سعيد بوعيطة


  • Like
التفاعلات: عبد الحميد باحوص

تعليقات

نص جميل،يوثق بحق لعملية مص الدماء عبر القفا
في الطب التقليدي والتي للأسف لا يزال معمولا بها
في أغلب القرى والبوادي بالمملكة المغربية.
 
أعلى