مصطفى الشليح - حول تدوير بحر الكامل في الشعر العربي.

نشر الأستاذ الشاعر رشيد الياقوتي المقطوعة الجميلة التالية:
هَذَا الحَمَامُ إلى الحَمَام يَتُوقُ ** فمَتَى ٱبْنُ حَزْمٍ ..مِنْ كَرَاهُ يُـفيقُ
يتَراشَفَانِ نَدَى منَاقِيرٍ ...وَكأْ ** سُهُـمَا.. صَبُوحٌ في الجَوَى وَغَبُوقُ
أَحَمَائِمَ الأطْوَاقِ.. رفْـقًـا بالهَـوَى ** مَا هَـكَذَا قُـبَلُ الهُـيَامُ تَـشُوقُ
أَتَــشِبُّ أقْـدَاحٌ .. وَتَحْرُنُ لـوْعَةٌ ** وَتَـشِـفُّ أرْوَاحٌ .. وَيَـظْمَأُ رِيقُ
العِشْقُ وَ الآهَـاتُ فِي أعْرَافِنَا ** ألاَّ يَرقَّ لِوَالِهٍ مَعْـشُوقُ
عقبتُ على الشاعر قائلا:
.. أتدوير في بحر الكامل التام ؟
لو الأمر لي لقلت: وكأنْ = بهما صبوح ...
تحياتي وتقديري
فتلطف بالرد الآتي:
الأمر للحمام أيها الشاعر الهمام.
و كما تعلم أخي التدوير في الكامل أمر نادر عند شعراء الجاهلية كما العصر الأموي لكنه مألوف لدى الشعراء العباسيين من أمثال البحتري و أبي تمام وأبي العلاء المعري و من محاسنه ( وهذا رأيي ) أنه يجنبنا تلك القراءة العروضية المحكومة بشطري البيت فتنتظم به داخل البيت الواحد ثلاث جمل شعرية منفرجة قراءةً و إيقاعا؛ تحياتي صديقي
فعطفتُ مستدركا ثانية:
طاب يومك أستاذ رشيد الياقوتي.
للحمام أن يقول ما يشاء، وكيف شاء، وأنَّى شاء.
وددتُ لو أنَّ ما تلطفتَ به كان " مألوفا " في مختلف حقب الشعر العربي، ولكن شاءَ المتن النصي الوارد، من هناك، آن يورده مورد الغرابة والاستثناء في التوسل عند انتظام الكلام وزنا وقافية وتخييلا؛ ورغب أن يكون تشغيل التدوير L' enjambement، الذي لا حضورَ اصطلاحيا له في المدونة النقدية - البلاغية - العروضية العربية إلا ما دعاه ابن رشيق في " العمدة " بالمداخَل من الأبيات، مرتئيا أنه لا يؤخذ به إلا في حالتين اثنتين:
1. ما انتهى الضرب منه بسبب خفيف، ولذلك يحضر بقوة في بحري الخفيف والرمل والمجتث، مثلا.
2. إذا كلن البحر مجزوءا، وبذا نلفيه في مجزوء الكامل وغيره.
هذا الاستثناء التوظيفي يمكن أن يحدث إذا كانت البنية الصوتية ترصيعية أو تطريزية، من حيث إنَّ تقطيعا بصريا يشمل فضاء البيت، وبحكم أن الإنشاد يكونُ بوقفات Pauses إيقاعية ثلاث تخول إلغاء القاسمة cessure بين المصراعين، وتفضي إلى استرسالية البيت كأنه جملة شعرية.
تقول إحصائية قام بها د. آحمد كشك في كتابه: التدوير في الشعر. دراسة في النحو والمعنى والإيقاع ص: 74 ( مطبعة المدينة. مصر 1989. ط1 ) ما يلي:
العصر الجاهلي: عدد الأبيات: 911. المدور منها: 3
العصر الأموي: عدد الأبيات: 3364. المدور منها: 1
العصر العباسي: عدد الأبيات: 10042. المدور منها: 159
العصر الأندلسي: عدد الأبيات: 2876. المدور منها: 34
العصر المصري المملوكي: عدد الأبيات: 3232. المدور منها: 24
العصر الحديث: عدد الأبيات: 4960. المدور منها: 45
المجموع: عدد الأبيات: 25385. المدور منها: 266
وهكذا يتبدى التدوير في بحر الكامل التام غير ذي اعتبار، ولعله آن يكون مستكرها ما دام الكم المقطعي للبحر طويلا، على غرار الكامل والبسيط والطويل، وربما يكون هامش الخطإ كما في مبادئ علم الإحصاء.
وعلى الرغم من كل الآنف ذكرُه، للحمام أن يقول ما شاء، وكيف شاء، وأنَّى شاء.
تحياتي وتقديري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى