آدم إبراهيم - الشارع الآن ..

١/ مشاهد:
ثلاث قطرات من الماء ، لأمطار هدأت طوفانها للتوء تسيل على جبين طفل يتكوّر فوق رصيف حصى باردة ، وطمي مُتحجّر

كلبٌ يتعرّج من الجوعِ والبرد ، تطاردهُ عدّة كلاب ، لإنتزاعِ عظمٍ لم يكن من نصيبهم

رجلٌ يترنّح من الثمالة ، ألم ، وخيبة ، وذكريات باهتة لماضٍ ومجدٌ مشوّه ، وتجارب فاشلة ..!

إمرأة تحملُ على رأسها جرّة مليئة بالمؤونة ، ثقلٍ من الآلام ، هموم ، شقاء معيشةٍ ، وآمال سُرقت ذات موسم حصادي ، معاناة تبدأ من حيث تنتهي..

عند منعطفِ الناصية ، تحت شجرةِ المانجو. حبيبان مُشرّدان يتقاسمان قُبلة ، وقنينةِ نبيذٍ مُر ، قعطةِ خبزٍ حاف ، وحُلمٍ صغيرٍ جدًا لكوخٍ يحتويهما ..

باعوضة تضع المئات من بيض الإهمال والخطر ، تموتُ منتصرة على مستنقعٍ مليئ بالأوبئة والقاذورات .. دم ذبائح ، بقايا بشر لقيطة ، رُفات زهور ، أطعمة ، أدوية تالفة وفئران ميتة ، ريش طائر ، طنين ذباب ، طُفيليات ، جراثم ودمار

عربة ذات طراز «فورد» قديمة ، خربة ، تقف بلا إطارات ، زجاجها مثقوب بفعل حصى الأطفال المقذوفة ذات لهوٍ مثير ، تنزف زيت محترق ، تتقطّر على ظهرِ قطّة مُنهكة تسلتقي تحتها ..

على آخر الطريق هناك ، تقف يافطة تحمل إسم الشارع الرئيسي المؤدي إلى الحي .. شارع الـ ... ٢١٣٤ ، حرفين آخيرين منهما ممحوين ، أحرقتها أشعة الشمس ، ورداءةِ هجاءِ العابرين ..

٢/ أصوات:
صوت بكاءٍ خافت تخرج من النافذة لفتاة ؛ يليها أصوات توبيخٍ عديدة ، تعلو ، فتعلو ، وضرب!

صوت فرقعة لبالونة ثقبتها شوكة حصير ، وصراخ طفلتين تنازعتا على دبُوسةِ شعر ، وقطعةِ حلوى ، وبراءة حق!

ترنيمة (صوت أنثويّ) تخرج عبر نافذةِ الكنيسة ، تُشرع في القلوب نسائمٌ من عبق السلام.. جميل ، ساحر ، وجذّاب !

نُواحُ نساءٍ هجرنّ أسارير المخاض ، منذُ آخر بوغِ طبلٍ دوت للحرب ، إضطراب ، إختناق ، رُعبٌ وإنتحار ..!

قهقهات متقطعة من رجل مسن ، وتقيوءات ملاريا ، حمى ، برد ، آلام مفاصل ، إحمرار عيون وفقدان رغبة بالأكل والرقص ، وممارسة الجنس ، والحياة!

موسيقى الكنغوليز الصاخبة على الراديو ، تهزّ أوراق شجر الكافور الضخمة ونهودِ المراهقات عذراوات التفتُّح والنضوج ، رائعات وبديعات التأنُّق ، ومُذهلات العبير ، خصبات المخيلة.. جميلات جدًا ، يبحثنّ عنِ اللذةِ والإثارة ؛ في الحب والخلود ..!

في الأعلى شُعاع شمس متوارٍ خلف الغيوم .. صاعقة ولمعانِ برقٍ مخيف ، وآخر مشهد سماوي ، لسحابة تقودها الرياح ببطءٍ كأسيرة تجرّها ؛ إلى الناحية الشماليّة من كوكب الأرض ..
  • Like
التفاعلات: حنان العادلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى